سمير النصيري*
تواجه تطبيقات السياسة النقدية تحديات كبيرة لاسباب عديدة مرتبطة بتأثيرات وانعكاسات الواقع الاقتصادي الذي يعيشه العراق منذ 2003 ومازال مستمرا وخلال السنوات السابقة ومنذ صدور قانون البنك المركزي رقم 56 لسنة 2004 بذل البنك المكزي جهود كبيرة في تثبيت السياسات والبرامج وتنفيذ الاجراءات بهدف تجاوز تلك التحديات وتحويلها الى فرص لتحقيق الاستقرار النقدي خصوصا اثناء الازمات الاقتصادية والمالية والامنية التي عانى منها العراق لعدم استقرار اسعار النفط وهو المورد الرئيسي للموازنة العامة وتفشي جائحة كورونا والحرب على الارهاب ومازال البنك المركزي يبذل جهودا واضحة على هذا الطريق .
ولغرض عرض وتحليل مسيرة تحقيق اهداف السياسة النقدية وتحويلها الى انجازات حققها البنك المركزي خلال مسيرته للسنوات السابقة ومازال مستمرا بنفس الخطى والمنهج لتحقيق هدف الاستقرار النقدي .قمت بمراجعة اجراءات البنك المركزي منذ صدور قانونة في عام 2004 والاطلاع على بعض الدراسات والبحوت المختارة التي اصدرها سابقا ووثقت اجراءاته وسياساته وبرامجة في تطبيقات السياسة النقدية وربط كل ذلك بالواقع الاقتصادي من خلال المعايشة والمتابعة والمراقبة توصلت الى دراسة مختصه بهذا الموضوع الحيوي في الظرف الراهن .
ان البنك المركزي العراقي مؤسسة اقتصادية مالية سيادية رصينة تاسست في عام 1947 من القرن الماضي وهو المختص برسم مسارات وسياسات تطبيقات السياسة النقدية والاشراف والرقابة على القطاع المصرفي ويعتبر المستشار المالي للحكومة. والبنك المركزي العراقي كان دوره اساسيا في ادارة العملية الاقتصادية في العراق بعد التغيير في عام 2003 وفقا لقانونه الجديد 56 لسنة 2004 ومن خلال ادارتة للسياسة النقدية وتحقيق اهدافها حيث مرّ العراق خلال 18سنة الماضية بمرحلة مهمة من مراحل نظامه الاقتصادي حيث شمل التغيير بداية تطبيقات جديدة للبناء الاقتصادي تعتمد بناء مقدمات الانتقال من فلسفة واستراتيجيات النظام الاقتصادي المركزي في إدارة الاقتصاد إلى فلسفة واستراتيجيات وآليات اقتصاد السوق.
وأهم ما ميَّز هذه المرحلة هي التجريبية وممارسة سياسات واجتهادات اقتصادية تعتمد بالأساس في تطبيق آليات اقتصاد السوق دون الاعتماد على المرتكزات الاقتصادية الأساسية لهذا الانتقال، إن ارتباك الرؤية و عدم التنسيق بين السياستين المالية والنقدية واختلاف السياسات الاقتصادية وعدم وضوح المنهج الاقتصادي للبناء الجديد للاقتصاد وظروف العراق السياسية والامنية غير المستقرة ساهم مساهمة واضحة في تشتت التطبيقات في السياسات الاقتصادية والمالية واختلاف الرؤى والاستراتيجيات للوصول إلى الأهداف المركزية المحددة، إضافة إلى قصور في بعض مواد البيئة التشريعية للقوانين الاقتصادية النافذة والصادرة في عام 2004 التي تنظم العملية الاقتصادية ، مما أدّى إلى إضطراب في التطبيق .
مسيرة الانجازات (١)
الا ان البنك المركزي العراقي والقطاع المصرفي خطى خطوات تطور كبيرة باتجاه الانتقال من النشاط الصيرفي الى النشــــاط الحقيقي والتنموي خصوصا خلال السنوات الاخيرة فمنذ صدور القوانين التي تنظم العمل المصرفي في عام 2004 تحققت إنجازات كبيرة في مجال:
* الحد من التضخم الجامح الذي كان يعاني منة العراق والوصول به إلى معدلات جيدة بلغت اقل من 2بالمائه كما تشير البيانات والمؤشرات المالية ..
* وأن البنك المركزي العراقي استطاع المحافظة لعدة سنوات على سعر صرف الدينار العراقي مقابل الدولار الأميركي بشكل متوازن بالرغم من التذبذب والتباين صعوداً ونزولاً تبعاً
للظروف الاقتصادية الصعبة والازمــــات المالية والاقتصادية بسبب الانخفاض في اسعار النفط والحرب على الارهاب والمضاربات التي تحدث في الأسواق.
*اصداره التعليمات والضوابط والمذكرات واللوائح التنظيمية والارشادية التي تنسجم مع المعايير الدولية ومتطلبات انظمة وقواعد الامتثال ومكافحة غسل الاموال وتمويل الارهاب واصدار قانون ينظم ذلك في عام 2015 وتصفية 700 ملاحظه مشخصة من قبل مجموعة العمل للمالي (FATF) والتي نقلت العراق من المنطقة الرمادية الى المتابعة الاعتيادية كل سنتين
* السيطرة على الخروقات التي تحدث بالمراجعة والتقييم وتصنيف المصارف لاغراض الثقييم الشامل وفق نظام (camels) ولاغراض نافذة بيع العملة الاجنبية بهدف السيطرة على حركة العملة الأجنبية والحد من التصرف بها بخلاف الاهداف الاقتصادية المحددة لتطبيقات السياسة النقدية. حيث إن التعامل ببيع العملة الأجنبية يعتبر من أكبر عمليات السوق المفتوحة في السيطرة على مناسيب السيولة المحلية ووضع الفائض النقدي في مساراتة السليمة وهو مؤشر اقتصادي جيد بأن يتم استقرار سعر الصرف بالرغم من الظروف الاقتصادية الصعبة التي مر بها العراق مابعد 2014 .
*استطاع البنك المركزي العراقي الاحتفاظ باحتياطي نقدي أجنبي جيد بالرغم من ظروف الركود الاقتصادي، ومع ذلك فقد شكل غطاء أميناً للدينار العراقي ولتغطية التجارة بحدود فترة اكثر من ستة اشهر وهو معدل قياسي معتمد عالميا.
* ساهم بشكل واضح في تغطية العجز في الموازنات العامة وفقا لما هو مخطط من خلال اعادة خصم سندات الخزينة التي تصدرها وزارة المالية واصدارة لسندات الخزينة الدولية اضافة الى اشادة البنك وصندوق النقد الدوليين ببرامج الاصلاح الاقتصادي والمالي التي اعتمدها البنك المركزي وفقا لاستراتيجيتة لخمسة سنوات .
*تشكيل لجنة مشتركة فيما بينه وبين المالية للتنسيق بين السياستين المالية والنقدية وقد تحققت بسبب ذلك اجراءات تنسيقية عديدة وهذا يؤشر حقيقة واضحة أن البنك المركزي العراقي قد استطاع بجهود واضحة خلال السنوات الاخيرة أن
يعزز رصيده من النقد الأجنــــبي في خزائن البنك وفي البنوك الأجنبية واحتياطه من الذهب في بغداد والخارج بشكل جيد يتناسب مع أسعار النفط والمستجدات على الساحة المحلية والاقليمية .
*ان الاجراءات الاقتصادية والمالية المحسوبة والجريئة التي قام بها البنك المركزي وتجربته الناجحة في تقديم الدعم المتواصل للاقتصاد العراقي اضافة الى مبادرته بتنشيط الدورة الاقتصادية واطلاق ومتابعة تنفيذ مبادراته المتعدده لتمويل المشاريع الصغيرة والمتوسطة والاسكانية والاستثمارية في قطاعات الاسكان والزراعة والصناعة والخدمات ودعم سيولة المصارف وتحقيق هدفين اقتصادي واجتماعي في ان واحد .
* اتخاذ اجراءات اخرى مهمة بتأسيس شركة ضمان الودائع والتي باشرت مهامها لغرض اعادة الثقة بالقطاع المصرفي وزيادة نسبة الادخار للكتلة النقدية في المصارف على حساب نسبة الاكتناز .
*ان كل ذلك رافقه تطورات بنيوية وهيكلية تطويرية في كافة دوائر البنك الاختصاصية والنوعية والتركيز على ادارة الجودة الشاملة والتطوير المؤسسي واعتماد المعايير الدولية وادارة المخاطر والتوعية المصرفية والتطورات التقنية في انظمة المدفوعات والدفع الالكتروني وتكنلوجيا المعلومات مما ساهم بالانتقال بسياسات واجراءات العمل بالبنك المركزي الى مرحلة متقدمة على خطى تحقيق الاستقرار النقدي .
لذلك فان البنك المركزي العراقي هو المسؤول عن السياسة النقدية في العراق وتطبيقاتها وعن الدور التنموي الذي يجب أن يقوم به كمؤسسة سيادية رصينة في رسم وتطبيق السياسة النقدية في ظروف تشابك في الخطط والسياسات. ولكن بعد ذلك أصبحت للسياسة النقدية ملامح واتجاهات واستراتيجيات واضحة،
وتتمثل وظائف البنك المركزي العراقي في تحقيق الأهداف أعلاه بما يلي:
اولا‐صياغة وتنفيذ السياسة النقدية بما فيها سياسة سعر الصرف.
والاحتفاظ وإدارة كافة الاحتياطات الأجنبية.
ثانيا‐إدارة احتياطي الحكومة من الذهب.
ثالثا-إصدار وإدارة العملة العراقية.
رابعا-مراقبة وتعزيز سلامة وكفاءة أنظمة الدفع.
خامسا‐اصدار التراخيص أو الإجازات للمصارف وتنظيم ومراقبة المصارف كما هو محدد في قانون المصارف رقم 94 لسنة 2004.
المصادر
* سمير النصيري ، الكتاب الموسوم ،البنك المركزي العراقي في مواجهة تحديات الازمة الاقتصادية والمالية(2015‐2017)
* دراسات وبحوث مختارة اصدرها البنك المركزي ومنشورة في موقعه الالكتروني.