وكالة الإقتصاد نيوز

 دور الخروف العراقي في تنويع الاقتصاد العراقي
عبد الحسين العنبكي


 

العنوان ليس مزحة، ولا تنقصني المهارة العملية في استخدام لغة ومفردة موغلة في التخصص، ولكن سوف اكتب الاقتصاد بطريقة أخرى اذ بحت اصواتنا وجفت اقلامنا منذ سنين طوال مضت في عرض المفاهيم الاقتصادية دون جدوى، حتى يسخر منا نحن معاشر الاقتصاديين بعض كبار المسؤولين في الدولة قائلين بأن الاقتصاديين (يخلطون السكر خارج قدح الشاي) وهو لم يقرأ حتى مبادئ الاقتصاد، الخروف نعم الخروف هذا المخلوق الذي يجيد الاستسلام للذبح في كل يوم وفي كل مناسبة سواء أردنا التقرب الى الله او أردنا التقرب الى الشيطان، دعونا نبين الاتي:

أولا: التعايش مع اللامنطق:

لا احد يستطيع ان يجيبني عن مدى منطقية قرار منع تصدير الخروف العراقي وهو قرار موروث من عباقرة (الزمن الجميل ) نظام الطاغية صدام ولم يتمكن حتى اليوم عباقرة (الزمن الاغبر ) من تجاوز عقدة النظام الاشتراكي وإلغاء هذا القرار الجائر بحق الخروف العراقي بل تم التأكيد عليه في عدة قرارات اخرها وضعه ضمن قائمة منع التصدير بقرار لجنة الشؤون الاقتصادية (ص ل /40 في 14/1/2018)، سأركز على الخروف في هذه الورقة واتناول منتجات عراقية في أوراق قادمة بأذن الله ، كنا نلح كثيرا لتحرير التجارة واعتماد المنافسة وان تكون حماية المنتج المحلي من خلال سياسات كمركية وسياسات دعم الصادرات وليس من خلال قرار منع التصدير لان منع التصدير يقمع المنتجين أصحاب الميزة التنافسية من العمل والتوسع ولا قرار منع الاستيراد لانه سوف يمنح حقوق احتكارية لمنتجات غير ذات قدرة تنافسية فتبقى معتاشة على الربح الاحتكاري وليس الربح الاقتصادي، فمنذ سنين قد تمتد الى نصف قرن والخروف ممنوع من السفر ، رغم ان كل الناس تصفق له خارج العراق وكل الناس تشتهي لحمه الطري ومذاقه الساحر وكل البلدان وخاصة دول الإقليم تعرفه جيداً وتدعوه ليتربع على موائد الطعام الفاخرة ، الملوك والامراء والرؤساء يتفاخرون بوضعه في قائمة اطعمتهم ، ولو اشترك في مسابقات (اكادمية النجوم ) او في مسابقة (اللحم وبس ) لكان ( مميز العرب ) الا انه ممنوع من المشاركة فهو ممنوع من التصدير.

 

ثانيا: قانون الموازنة الاتحادية لسنة 2021 طفرة في التفكير:

حيث نصت المادة (53 ثالثا): (يسمح بتصدير جميع أنواع المواد الأولية والمصنعة ونصف المصنعة والغذائية والحيوانية استثناءً من جميع القوانين والقرارات النافذة ويستثنى من ذلك خام الحديد والسكراب والنحاس والالمنيوم ) وهو قانون نافذ لمدة سنة وصدر بعد فوات أربعة اشهر من السنة ، ولم يعمل بهذه المادة الى الان فقد تخضع لتأويلات القانونيين المعرقلين وقد يظهر ان الخروف غير مشمول بها ، فضلا عن ان وزارتي الزراعة والصناعة متمسكة بعتلة (الفتح والغلق ) للاستيراد والتصدير وفق معايير غير مفهومة ولا مبررة ، ومع ذلك فان هذه المادة تعد تطورا كبيرا في تفكير المشرع العراقي الا انهم سقطوا بالقاضية عندما اباحوا منع الاستيراد واناطوا المهمة لمنع استيراد أي سلعة لوزيري الزراعة والصناعة وبذلك بقيت العتلة العرجاء (تفتح وتغلق الاستيراد ) خلافا للدستور العراقي وقوانين المنافسة ومنع الاحتكار وتحقق اهداف شرائح على حساب شرائح أخرى وتشوه جهاز الأسعار وتعيق آلية السوق.

آلاف مهربي الأغنام دخلوا السجون خلال عدة عقود مضت لانهم حاولوا تهريبه الى الخارج لكي يلبي الطلب الخارجي عليه، كان يمكن لخرفان العراق ان تشبع فجوة الطلب تلك عند خروجها ولكن حكم عليهم أصحاب العقول القاصرة بان لا يخرجوا، لماذا؟ قد يكون الطاغية أراد احتكاره من اجل كروش اغنياء العراقيين لان فقرائهم قد لا يستطيعون شراع لحمه ، قمع الطلب الأجنبي عليه وجعله مخصصا فقط لاشباع الطلب المحلي ، وعلى المنتجين والمربين للخرفان ان يقلصوا انتاجهم بمقدار الطلب المحلي ، ولان الطلب المحلي يحدده حصة الفرد الواحد من الناتج المحلي الإجمالي (GDP) ولان (GDP) لا ينمو بخطى ثابتة ولا بخطى واسعة توازي على الأقل معدل نمو السكان في العراق (2,8 %) فان دخل الفرد العراقي لا يسمح باتساع الطلب المحلي على الخرفان اصلاً ، ولان البنى التحتية مدمرة والامن متراجع والطاقة غير متوفرة وكلف الإنتاج مرتفعة والطلب الأجنبي مقمع بمنع التصدير والطلب المحلي مقيد بدخل الفرد المحدود فقد حكمنا على ان(العرض يجب ان يتقزم ليبقى بمستوى الطلب المتقزم ) وقد يكون اقل منه احياناً كثيرة لأسباب متعددة فتظهر الفجوة في ارتفاع أسعار الخرفان ، وطالما نحن بلد نفطي وقطاعتنا معطلة ونوزع فقط عائدات النفط على شعب يتكاثر دون ان يعمل فان الحرمان من دور الخرفان في تصحيح الاختلال الهيكلي وتنويع الاقتصاد العراقي (تلك المصطلحات التي مملنا من ترديدها منذ وطأت قدماي قسم الاقتصاد في الجامعة المستنصرية عام 1982 والى يومنا هذا) ، وسوف تبقى متلازمة التنمية الاقتصادية الضائعة طالما ان قطعان البشر اكثر استسلاماً للخداع السياسي من استسلام قطعان الخرفان للجزار.

ثالثا: ماذا لو ؟:

ماذا لو لم يكن هناك منع تصدير للخرفان العراقية؟ لكان العراق اليوم يمتلك ميزة نسبية في انتاج وتصدير الخرفان ومشتقاتها ، بدلاً من النفط الخام الذي دمر بيئتنا وأورثنا السرطان ولازلنا نستورد مشتقاته ، وابقانا عرضة لأسواق العالم المتذبذبة والمتراجعة دوماً ( مرة نشد الاحزمة على البطون ومرة نتخم حد الجنون ) ولم نخلق لموازناتنا العامة رافعات مالية تعيد الاستقرار وتخلق استدامة، لو اشبعنا الطلب العالمي على الخرفان العراقية منذ عدة قرون لهرع المستثمرون الينا من كل البلدان المتقدمة وادخلوا المعارف والتكنلوجيا وآليات العمل والإدارة واقاموا مزارع نموذجية للخرفان في صحاري العراق ، فماذا ستكون الحصيلة؟ :

  1. ما كنا نعاني من التصحر حيث يفقد العراق سنوياً 100 ألف دونم من أراضيه الزراعية منذ أكثر من عشرين سنة مضت والى الان.
  2. لكان الاقتصاد الأخضر لتوفير اعلاف الخرفان يغطي صحارينا ويشغل أبنائنا ويوزع لهم دخول شهرية مجدية تكون قد انعكست في نمو GDP ونمو حصة الفرد الواحد منه.
  3. لأصبح العراق البلد الأول في العالم بإنتاج الخرفان، ولكي تكتمل حلقات هذا النشاط فسوف يحرك أنشطة أخرى جبارة بحكم (علاقات المستخدم – المنتج) input-output relation) ) وعليه فان الاقتصاد يتنوع ونخرج من متلازمة الريعية المقيتة.
  4. دخول كبار المستثمرين في الخرفان لن يبقيهم على تصدير الخرفان الحية وانما سوف يتحولون الى صناعة الخرفان التحويلية لجني المزيد من القيم المضافة فينتعش انتاح اللحوم والمقطعات ومجال تجميد اللحوم وجزر الخرفان وجزها وسلخها.
  5. الخرفان تغطيها الاصواف فينتعش نشاط جزها ، وعليه كنا سنكون البلد الأول في انتاج الصوف النقي في العالم، ولان العراق طقسه حار لا يحتاج الى ملابس واغطية صوفية فان معظم اصوافه تذهب للتصدير فتتنوع صادراتنا ويتم معالجة الاختلال الهيكلي في ميزان المدفوعات حيث الان نستورد كل شي ولا نصدر غير النفط الخام.
  6. الخرفان لديها جلود تسلخ في المسالخ العراقية وعليه كان سيكون قطاع الصناعات الجلدية متقدما ومنافسا ويستوعب الكثير من الايدي العاملة لينشط معه بالتبعية قطاع الدباغة الذي كان سيكون متميزا في تصدير تلك الجلود ليحتل موقعا متميزا في سلسلة القيمة المضافة عالميا فيتنوع ميزاننا التجاري الذي يتبعه تنويع الاقتصاد.
  7. ما كان ليقف الموضوع عند حد الدباغة بل ان هذه المدخلات الوفيرة للصناعات الجلدية سوف تجذب المستثمرين لهذه الصناعات لتخلق قيم مضافة أخرى ومحركات اقتصادية أخرى.
  8. ما كان ليكون مجال تصدير الخرفان عامل تنويع بذاته حسب، بل كان سيتبعه جذب المستثمرين في حينها للصناعات الغذائية وكل أنواع النقانق والمعلبات والاطعمة الجاهزة طالما توفرت المادة الأولية بكلف اقل وسوف يجد العراق نفسه في وضع مميز في مجال الامن الغذائي ووضع مميز ضمن سلسلة القيمة المضافة للصناعات الغذائية بدلا من استيرادها بمليارات الدولارات.

رابعا: لولا منع التصدير لتفككت المافيات:

امام هذا المشهد لو لم يمنع تصدير الخرفان لما وجدت أصلا المافيات ولتفككت الكثير من المافيات المعتاشة على وضع منع التصدير (على الأقل في مجال الخرفان)، وستجد ان نشاطها طبيعي ورسمي وقانوني ولا حاجة الى الاختباء خلف ممارسات خفية ولا حاجة للعمل تحت الطاولات ولا حاجة لدفع الرشا ولا العمولات ولا أحد يستطيع ان يبتز أحد، فيتراجع الاقتصاد الخفي (Hidden economy) او الاقتصاد غير الرسمي (Unofficial economy) لصالح الاقتصاد الرسمي، ومن هذه المافيات:

  1. مافيا تهريب الخرفان، حيث لم يعد موجب للتهريب، وهم ليسوا مافيا بالأساس لأنهم ينتجون الأغنام ولهم الحق في تسويق انتاجهم لمن يدفع سعر اعلى (وفق منطق اقتصاد السوق) ولكن اغبياء الفكر التقييدي وضعوا قيود اضطرت منتجي الخرفان للاحتيال عليها لأنها غير صحيحة. وبذلك فهم ليسو مافيات بالأساس ولا يعلمون انهم ليسو مافيا وانما يمارسون حقهم الطبيعي، هم مخالفون للوائح وقوانين وضعها الاغبياء ولا يجرء أحد لمناقشة تلك القوانين الجائرة ومدى المصلحة الاقتصادية من وجودها.
  2. مافيا الشرطة سواء كان البعض منهم ممن تلقي القبض على المهربين للاغنام وتسجنهم وتبتزهم ومعها مافيا المحققين الذين يمارسون تسويق احكام القانون الجائر ومافيا بعض السجانين وكل المافيات مجمعة على ترطيب الأجواء وتسويف الموضوع المختلق مقابل ثمن للأفراج عن المعتقلين وهم ايضاً ليسوا مافيا ولا يعلمون انهم ليسو مافيا ولكنهم اعتادوا على التكيف مع أخطاء القوانين وجورها والاعتياش عليها.
  3. مافيا العاملين في المنافذ الحدودية سواء كان البعض مسهلين لعمليات تهريب الخرفان من خلال غض النظر او مقابل عمولة، او مافيا شرطة الحدود (الشرفاء) الذين يطبقون قانون جائر بحذافيره ويلقون القبض على المهربين، وقد يتوصل البعض منهم الى صفقة يطلقون بها سراحهم مقابل رشا او يتم تحويلهم لمافيا السجون.

وهكذا بعد التخلص من منع تصدير الخرفان سوف تتفكك هذه المافيات التي لم يعد لوجودها مبرر، وليس لها فرصة اعتياش على أخطاء القوانين وجورها، ولم يعد لجهابدة القانون فرص بقراءة النصوص لا بسلبية للتأخير والابتزاز ولا بإيجابية مفرطة مقابل تسيب وتسويف بحسب الظروف، لان هؤلاء عبيد لقوالب قانونية موروثة يحفظونها عن ظهر قلب ويعرفون كيف يطبقوها بغض النظر عن اعبائها على البلد واخر ما يفكرون به هو تعديل تلك القوانين بما يخدم الاقتصاد ولأنهم يجيدون فن عمل شرطي المرور من خلال رفع الإشارة (قانوني ... لا قانوني) فهو اسهل وانفع لهم على الصعيد الشخصي ، وهنا لا اعني بذلك الاطلاق على هذه الشريحة من المختصين اذ بالتأكيد فيهم شرفاء مخلصين مجتهدين يتوجعون للواقع المزري ولكن المافيا اقوى والأدوات المباحة لهم انجع.

وعندما يصبح انتاج الخرفان وتسويقها وفق مبدأ (دعه يعمل دعه يمر) دون عقبات مصطنعة وموافقات طويلة عريضة بعضها مقوننة وبعضها مفترات لاتساع مساحة الاجتهاد في لوائح فضفاضة ، ودون ان نضع عتلة بيد من لهم مصالح او اجندات مرة بفتح التصدير والاستيراد او مرة بمنعه ، فسوف نكون امام قوى السوق الأكثر انصافاً وكفاءة ومرونة في تصحيح الاقتصاد لنفسه والخروج من اختناقاته والعودة دائماً الى الاستقرار والنمو وخلق التنمية، ومتى ما تعثر ذلك يكون دور الحكومة تدخلي بسياسات معروفة لدى الاقتصاديين تكون كفيلة بدعم الاستقرار الاقتصادي.

 

(*) مستشار الشؤون الاقتصادية في رئاسة الوزراء

نقلا عن شبكة الاقتصاديين العراقيين 


مشاهدات 1236
أضيف 2021/08/03 - 10:44 AM
تحديث 2024/03/29 - 12:31 PM

طباعة
www.Economy-News.Net