آليات تقليدية للتعامل مع حالة استثنائية: صندوق النقد الدولي والجائحة
الدكتور مهند طالب الحمدي

تم تشكيل صندوق النقد الدولي من خلال اتفاقية بريتوون وود بعد الحرب العالمية الثانية لتقديم الدعم الطارئ للبلدان التي ترزح تحت عبء الديون ومساعدة الحكومات المُعسرة على استعادة الجدارة الائتمانية. أثناء فترة جائحة كورونا، قدم الصندوق حوالي 107 مليار دولار للبلدان الفقيرة والمتوسطة الدخل التي تواجه تحديات الموازنة المزدوجة المتمثلة بانخفاضٍ كبير في النمو والحاجة إلى إنفاق المزيد على الرعاية الصحية وتوفير اللقاحات. هناك حاجة للمزيد، لا سيما بالنسبة للبلدان الأشد فقراً. لذا يستعد الصندوق، الذي بدأ في الخامس من نيسان الجاري أحد اجتماعاته نصف السنوية، لاطلاق قوة مالية إضافية: إصدار "حقوق سحب خاصة" جديدة بقيمة 650 مليار دولار. يقوم الصندوق بعمل الشيء الصحيح، لكن باستخدام آلية خاطئة.

 

غالباً ما توصف حقوق السحب الخاصة على أنها أموال أو احتياطيات نقدية، لكن هذه الأداة هي في حقيقة الأمر سحب طارئ على المكشوف. يحق للدولة التي تملك حقوق سحب خاصة استبدالها بالدولار أو عملات صعبة أخرى بسعر صرفٍ ثابت ودفع سعر فائدة منخفض جداً، 0.05% فقط على الاقتراض. الأفضل من ذلك أن متلقي القرض لايواجه تاريخ محدد يجب فيه سداد الدين. يتم توفير هذه الأموال من قبل أعضاء صندوق النقد الدولي الآخرين، والذين يمكن للصندوق إجبارهم على المشاركة في عملية التبادل تلك (وهي سلطة تم استخدامها آخر مرة عام 1987).

 

تتمثل جاذبية إصدار حقوق سحب خاصة جديدة في السهولة النسبية للقيام بذلك. توفر خطوط الائتمان التي تقدمها تيسيراً للدول كونها غير مشروطة، مما يؤدي إلى تجنب المفاوضات التي تستغرق وقتاً طويلاً والتي تسبق عمليات الاقتراض من صندوق النقد الدولي. يمكن لكل الدول الأعضاء في الصندوق الحصول عليها، وعليه ليس لدى البلدان والأنظمة التي تستلمها أي خوف من أن توصم بأي عيوب سياسية واقتصادية كتلك التي ترافق قروض صندوق النقد الدولي عادةً. ولأن أعضاء الصندوق مُلزمين على احترام حقوق السحب الخاصة، فإن إصدارها لا يستنزف موارد برامج الصندوق. العقبة السياسية المعتادة هي موافقة الحكومة الأمريكية على الاصدار، والتي لديها ما يكفي من الأصوات في مجلس إدارة الصندوق لاستخدام حق النقض ضد أي إصدار جديد. لكن وزيرة الخزانة الأمريكية، السيدة جانيت يلين، منحت الموافقة مؤخراً، ولايحتاج الاقتراح تصويت الكونجرس الأمريكي لأنه صغير بما يكفي لتجنب ذلك  التصويت.

 

لسوء الحظ، تنبع السهولة السياسية لإصدار حقوق السحب الخاصة جزئياً من تعقيداتها الاقتصادية. كونها أداة غامضة نوعاً ما، فإنها تغطي على التحويلات الأساسية التي تجعلها ممكنة. بينما يطالب حملة السندات بالحصول على فائدة تتناسب مع المخاطر التي يواجهونها، تفرض حقوق السحب الخاصة على المقترضين سعر فائدة موحد ومنخفض بشكلٍ مصطنع. يمكن للآلية أن تصبح أكثر تعقيداً إذا وافقت الدول الغنية على إقراض حقوق السحب الخاصة بها إلى البلدان الفقيرة، أي منحها حق الاقتراض بالدولار.

 

تعني شمولية أي إصدار جديد لحقوق السحب الخاصة أن الأنظمة  السياسية البغيضة ستستفيد من ذلك ما لم تضع العقوبات حدوداً لقدرتها على تحويل حقوق السحب الخاصة إلى دولارات. ربما تستخدم الدول المُعسرة الأموال السائلة لسداد ديون الدائنين الصينيين. ستجد الأرجنتين على سبيل المثال، أن من السهل عليها تأجيل دفع ديونها المستحقة غير المدفوعة.

 

عليه، ينبغي أن تكون شروط إصدار حقوق السحب الخاصة مرتفعة. في ربيع عام 2020، عندما بدا أن هناك احتمال حدوث أزمة مالية واسعة النطاق، تم إزالة معيقات إصدار هذه الحقوق، لكن إدارة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترمب عارضت ذلك الإجراء. الوضع الاقتصادي والمالي اليوم أكثر استقراراً. من الأفضل تقديم مساعدات بطرقٍ أكثر شفافية واستهدافاً لمشاريع محددة. يمكن لصندوق النقد الدولي إعادة صياغة قواعد الاستحقاق للحصول على الدعم من خلال برامجه الحالية. يمكن للصندوق أن ينشئ صندوق إغاثة مخصص لشراء اللقاحات ودعم قطاع الرعاية الصحية، يكون الهدف منه الحد من تأثيرات الاقتراض من الصندوق. كذلك يمكن للدول الغنية أن تقدم المزيد من المساعدات.

 

للأسف، تبدو هذه الآليات مثار خلاف بين الدول المعنية وبين الحكومات والناخبين في تلك البلدان. إصدار حقوق السحب الخاصة هو محاولة لتجنب تلك المصاعب، ونتيجة لذلك، قد تصبح القناة الرئيسية لصندوق النقد الدولي لدعم العديد من البلدان الفقيرة خلال فترة الجائحة. من المؤكد أن حقوق السحب الخاصة أفضل من لا شيء، لكنها تنعكس بشكلٍ سلبي على صندوق النقد الدولي والدول الغنية لأنها لم تجد وسيلة أفضل لزيادة الدعم للبلدان الفقيرة التي تصارع الجائحة.

 

أستاذ الاقتصاد والعلوم السياسية، جامعة ولاية كنساس، الولايات المتحدة الأمريكية.


مشاهدات 1236
أضيف 2021/04/25 - 9:19 AM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 16627 الشهر 65535 الكلي 7998742
الوقت الآن
الجمعة 2024/4/26 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير