الاقتصاد نيوز ـ بغداد
وصف صندوق النقد الدولي توجهات الحكومة لاصلاح الاقتصاد الوطني بالمهمة، وأكد أن العراق قادر على بلوغ التنمية الشاملة، شرط أن يتم اعداد الخطط الستراتيجية المتوسطة والطويلة، جاء ذلك في حوار صحفي اجرته صحيفة "الصباح" الرسمية واطلعت عليه "الاقتصاد نيوز" مع ممثل صندوق النقد الدولي في العراق غازي شبيكات.
أدناه نص الحوار:
* كيف ينظر صندوق النقد الدولي الى الاقتصاد العراقي وكيف تأثر بجائحة كورونا؟
- يعاني الاقتصاد العراقي من اختلالات وتشوهات هيكلية عميقة بسبب الازمات، التي تعرض لها خلال العقود الأربعة الماضية والسياسات الاقتصادية غير الداعمة، فقد عانى الاقتصاد العراقي من ويلات الحروب والمخاطر الجيوسياسية في المنطقة وعدم الاستقرار على الصعيد المحلي، عدا عن سوء الإدارة الاقتصادية، فقد عانى الاقتصاد العراقي وما زال من اختلالات في المالية العامة (ارتفاع فاتورة الرواتب) والإنتاج وسوق العمل (مزاحمة القطاع الخاص) وضعف القطاع الخارجي والاعتماد على النفط، أضف الى ذلك، لعب الفساد وسوء الإدارة دورا حاجبا للتقدم والنهوض بالاقتصاد العراقي، وقد فاقمت مؤخرا تداعيات جائحة (كوفيد- 19) والتراجع الحاد في الايرادات النفطية من هذه الاختلالات، مما عرض الاقتصاد العراقي الى واحدة من أسوأ الازمات الاقتصادية التي مر بها، ففي الوقت الذي احتاجت فيه الحكومة لزيادة الانفاق لمواجهة تداعيات الجائحة بين انفاق صحي ودعم القطاعات المتضررة من عمليات الاغلاق وقيود التجارة، كان هناك تراجع كبير في موارد الدولة والتي بالكاد غطت فاتورة الرواتب والتقاعد في الأشهر الأولى من عام 2020. وكان هناك تراجع في النشاط الاقتصادي بنسبة بلغت 8 بالمئة في القطاع غير النفطي، بينما تراجع القطاع النفطي بنسبة 11 بالمئة بسبب تخفيض الإنتاج للالتزام باتفاق أوبك+. كما زاد عجز الموازنة الى نسبة 20 بالمئة وعجز القطاع الخارجي الى 15 بالمئة من الناتج المحلي الاجمالي وأدى تمويل هذه العجوزات الى زيادة نسبة الدين بشكل ملحوظ وتراجع الاحتياطي من النقد الأجنبي.
* ما افضل أساليب تحقيق النهوض الاقتصادي للعراق؟
- يجب الا يستمر الاقتصاد العراقي في الاعتماد على النفط كمصدر وحيد لايرادات المالية العامة وميزان المدفوعات، وهنا نؤكد أهمية تنويع الاقتصاد العراقي والاهتمام بالإنتاج وفسح المجال امام القطاع الخاص، ليأخذ بزمام المبادرة في قيادة الاقتصاد نحو التصدير وتحقيق النمو الاقتصادي، وبطبيعة الحال، يتطلب ذلك تبني سياسات وستراتيجيات حصيفة في مجالات التعليم والصحة والاتصالات والتكنولوجيا، على سبيل المثال، فضلا عن ذلك، فان شبكة الحماية الاجتماعية بحاجة الى تقوية لحماية الأكثر هشاشة، وحتى تتمكن الحكومة من القيام بمهامها التنموية لا بدّ من إيجاد حيز مالي، وهذا يتطلب السيطرة على النفقات التشغيلية، خاصة فاتورة الرواتب والتقاعد من خلال إصلاحات في نظام الخدمة المدنية ونظام التقاعد وكذلك إصلاحات في قطاع الكهرباء، الذي يشكل عبئا كبيرا على موارد الدولة.
*ما اهم طرق تجاوز التوجه نحو الاستدانة؟
-هناك استدانة محلية واستدانة خارجية. وطبيعي على الدول ان تستدين محليا او خارجيا لتمويل بعض المشاريع، ولكن المهم الأخذ بالحسبان القدرة على السداد من حيث حجم الاستدانة وتكاليفها واهميتها للاقتصاد، فلا يجوز ان تستدين الدولة لتمويل رواتب ونفقات استهلاكية، وانما يجب ان يكون هناك مشاريع استثمارية تولد دخل للدولة تعزز ماليتها العامة وتمكنها من تسديد التزاماتها الخارجية، ولتجاوز الاستدانة، لا بد من تخفيض العجوزات في المالية العامة واستغلال فترات انتعاش أسواق النفط لبناء فوائض نفطية يمكن استخدامها في أوقات تراجع الأسعار، وهذا يجنب الاقتراض وفي نفس الوقت يقلل من التذبذبات الاقتصادية التي سادت في العراق نتيجة ربط الانفاق الحكومي بأسعار النفط. كذلك يتجه مصدرو النفط الى توفير الإيرادات النفطية للأجيال المقبلة، إضافة الى توفير الاحتياجات الأساسية (معظم مصدري النفط لهم صناديق ثروة سيادية).
* كيف ينظر الصندوق الى اجراءات الحكومة بتخفيض قيمة العملة؟
- يدعم صندوق النقد الدولي تخفيض قيمة الدينار العراقي، لأنه يساعد على تقليل الاختلالات الخارجية ويحافظ على الاحتياطيات الأجنبية ويقوي المالية العامة، فتخفيض قيمة الدينار يساعد على تخفيض عجز الموازنة ويحسن من الميزان التجاري بتحفيز الصادرات وكبح الواردات، كما ويساعد في الحفاظ على مستوى مريح من الاحتياطيات الأجنبية وعدم نضوبها، أضف الى ذلك، ان التخفيض له آثار إصلاحية على سوق العمل من خلال التأثير على الدخول الحقيقية وحفز القطاع الخاص، ليأخذ بزمام المبادرة في توجيه دفة لاقتصاد.
وبطبيعة الحال، فإن لتخفيض سعر الصرف تبعات اجتماعية تتطلب التخفيف منها قدر الإمكان، فمن المؤكد أن تخفيض قيمة الدينار سيترتب عليه ارتفاع في المستوى العام للأسعار، خاصة أن الواردات في سلة المستهلك في العراق تشكل نسبة عالية، وهنا نؤكد ضرورة زيادة مخصصات شبكة الأمان الاجتماعي وتوسيع قاعدة بيانات المستحقين لضمان شمولها بشكل مناسب وحماية الفئات، التي تضررت قوتها الشرائية جراء التخفيض.
*ماذا تعني المادة الرابعة وهل هناك تفصيلات حول مضمونها؟
- مشاورات المادة الرابعة عبارة عن مشاورات ومناقشات حول الأوضاع الاقتصادية واولويات السياسة يجريها الصندوق بشكل دوري (عادة سنويا) مع الدول الاعضاء، وهي من متطلبات المادة الرابعة من اتفاقية صندوق النقد الدولي التي يجب على الدول الأعضاء الالتزام بها. وبناء عليها يقوم فريق من اقتصاديي الصندوق بزيارة البلد العضو لتقييم التطورات الاقتصادية والمالية ومناقشة السياسات الاقتصادية والمالية للحكومات والبنوك المركزية للدولة، وتتضمن المشاورات على الاغلب لقاءات من البرلمانيين ورجال الاعمال واتحادات ونقابات العمال ومؤسسات المجتمع المدني، وقد أجرى الصندوق آخر هذه المشاورات في نهاية عام 2020 وأقرَّ مجلس إدارة الصندوق تقرير الخبراء في شهر شباط هذا العام، ويمكن الاطلاع على التقرير من خلال الرابط https://www.imf.org/en/Countries/IRQ.
*من خلال وجهة نظر الصندوق الى العراق, هل هناك إمكانية للنهوض بواقع الإنتاج الصناعي والزراعي, وبماذا ينصح الصندوق؟
- دائما هناك فرصة للنهوض في اية دولة، بشرط ضبط أوضاع المالية العامة واتباع سياسات اقتصادية كلية حصيفة، تقلل من الهدر والاختلال وسوء الإدارة بحيث تفسح المجال للقطاع الخاص والمؤسسات الصغيرة والمتوسطة ان تلعب دورها. ويعد قطاعا الصناعة والزراعة في العراق من القطاعات الحيوية التي يجب ايلاؤها أهمية كبيرة وتحفيزها بتشريعات حديثة، وتقديم الدعم والتمويل لها بما يمكنها من القيام بدورها في الإنتاج والتصدير والتوظيف. وضمن أمور أخرى، ويتطلب هذا تحسين البيئة الاستثمارية وتقوية القطاع المالي وتوفير التمويل المناسب وتعزيز البنية التحتية والوصول الى الخدمات الأساسية مثل الكهرباء.
*هل هناك افق عراقي لتحقيق تنمية شاملة؟
- التنمية الشاملة كلمة واسعة تنطوي على عدة ستراتيجيات متوسطة وطويلة المدى، والعراق يستطيع تحقيق ذلك في المدى الطويل من خلال تنفيذ الإصلاحات في المالية العامة وتقويتها، فضلا عن تنويع الاقتصاد وعدم الاعتماد على النفط كمصدر وحيد للإيرادات، وبطبيعة الحال هذا يتطلب سياسات وستراتيجيات إصلاحية في عدة مجالات، منها الصحة والتعليم والحماية الاجتماعية والقطاع المالي والمصرفي والتكنولوجيا والاتصالات والبنية التحتية والخدمات اللوجستية وغيرها، إضافة الى تحديث التشريعات الاقتصادية، بحيث تجذب الاستثمار الأجنبي وتسهم في نقل التكنولوجيا الى العراق، ومما لا شك فيه ان الإصلاحات تأخذ وقتا من الزمن، كما أن تنفيذها لا يتم بشكل مناسب في بعض الأحيان. ورغم ذلك، فإنه من الأهمية بمكان الاستمرار في ادخال التحسينات التدريجية، بحيث يشعر المواطنون بالآثار الإيجابية للإصلاحات مما يساعد في تقبلها.