الاقتصاد الاصفر .. ثورة الطاقة المتجددة في المنطقة العربية
الباحث الاقتصادي علي عبد الكاظم دعدوش

تعد الطاقة مكونا اساسيا من مكونات الكون وهي من اشكال الوجود فيه، وتشتق عادة من مصادر اولية طبيعية متجددة مثل الطاقة الشمسية وطاقة الرياح والطاقة الكهرومائية والبيولوجية ومصادر اخرى ناضبة والتي تسمى بالوقود الاحفوري مثل الفحم الحجري والنفط والغاز، وتحتاج كل انواع الطاقة المختلفة الى وجود تقنيات ومستلزمات وادوات خاصة لاستخراجها وتحويلها الى طاقة قابلة للاستخدام البشري كالكهرباء ووقود المحركات والتدفئة الخ، وما يميز الطاقة المتجددة عن غيرها بانها يمكن ان تستمر الى ما لا نهاية بفعل عوامل تكونينها ومساعدة التكنولوجيا المتطورة فضلا عن تطور الذكاء الاصطناعي الملازم لاستخدامات الطاقة المتجددة، وتساهم مصادر الطاقة المتجددة في توليد طاقة الكهرباء المستخرجة من الطاقة الشمسية، والتي تعد من اهم الطاقات الثانوية المستخدمة في العالم كما تعد الرافد الاساسي لعملية التنمية المستدامة والتطور الاقتصادي من خلال استخدامها في كل مفاصل الاقتصاد الحديث  لاسيما في انشطة (الانتاج والنقل والتوزيع).

وعلى غرار خضرنة الاقتصاد والتوجهات نحو التنمية المستدامة الصديقة للبيئة تأتي تسمية الاقتصاد الاصفر كتعبير عن الطاقة الشمسية التي تعد من ابرز مصادر الطاقات المتجددة في العالم وبالخصوص في منطقة الوطن العربي، وعليه يمكن تعريف الاقتصاد الاصفر على انه (الاقتصاد الذي يهتم بدراسة الطاقة الشمسية وكيفية الاستفادة منها لتحقيق التنمية المستدامة) لكونها تمثل المصدر الرئيسي لمعظم مصادر الطاقة ، كما أنها مصدر مجاني وغير محدود للطاقة ، علاوةً على أنها طاقة مأمونة المصدر ويمكن وصولها إلى المناطق النائية التي لا يمكن لأي مصدر آخر من مصادر الطاقة الأخرى الوصول إليه، وقد بلغ انتاج الطاقة الشمسية الكهربائية حسب (وكالة الطاقة الدولية) لعام 1992 بنسبة (42) ميجاواط في الولايات المتحدة ، وفي اليابان (19) ميجاواط ، وايطاليا (8) ميجاواط ، واستراليا والمانيا بنسبة (7) ميجاواط و (6) ميجاواط على التوالي ، وارتفعت في عام 2002 الى نحو (627) ميجاواط في اليابان ، لكن في المانيا فقد توسع انتاج الطاقة الكهربائية بشكل فاق كل الدول اذ كانت الزيادة السنوية نحو (52%) في المدة (1998-2002) ، اما في العراق فقد ارتفع استخدام الطاقة الشمسية الى (215.5) ميجاواط في عام 2019 بعدما كان يشكل نحو (29.5) في عام 2013 ، وهي نسبة منخفضة جدا مقارنة بدول الجوار كالسعودية والاردن والامارات ، وفي عام 2018 بلغ الانتاج العالمي للطاقة الشمسية  الكهربائية نحو (480) الف ميجاواط ، والجدول (1) يبين اكبر الدول المنتجة للطاقة الشمسية في توليد الكهرباء في عام 2018  ، كما يلي :

الجدول (1)

انتاج الطاقة الشمسية في العالم لسنة 2018

ت

الدولة

الانتاج (الف ميجاواط)

نسبة الانتاج الى الانتاج العالمي %

1

الصين

175.015

36.4

2

اليابان

55.500

11.5

3

الولايات المتحدة

49.692

10.3

4

المانيا

45.930

9.5

5

الهند

26.869

5.6

المصدر  :   www.irena.org/solar

نظرًا لأن قادة العالم – المنتجين والمستهلكين للطاقة – يتطلعون إلى مصادر الطاقة المتجددة كطريقة لمواجهة التهديد المتزايد والمتعدد الأبعاد لتغير المناخ  فضلا عن تقلبات اسعار النفط العالمية ، فإن الدول العربية النفطية الغنية مثل السعودية ودولة الامارات  تتبنى تطوير مصادر الطاقة المتجددة بشكل متسارع من أي وقت مضى بخلاف دول نفطية ريعية اخرى مثل العراق والتي اهملت استخدام الطاقة المتجددة بالرغم من توفر امكانات كبيرة لاستغلالها. اما الدول العربية غير النفطية مثل المغرب والاردن وتونس وغيرها فقد تفوقت على الدول النفطية في استغلال مصادر الطاقة المتجددة  والتي حصلت على دعم دولي واسع في هذا الميدان ، بالتالي فقد اودت بثقل استثماراتها نحو الجهود العالمية التي تدعم تحول الطاقة .

وذكر المدير العام للوكالة الدولية للطاقة المتجددة ، فرانشيسكو لا كاميرا ، في منتدى الطاقة الدولي الذي جرى عام 2019 في السعودية "من الممكن تماماً توليد طاقة رخيصة وصديقة للبيئة كافية من مصادر متجددة هذا ليس ممكنًا فحسب ، بل إنه أيضًا أفضل خيار لنا ، لأنه سيحقق فوائد اجتماعية واقتصادية أعلى من العمل كالمعتاد ، وسيسمح لنا بمعالجة تغير المناخ بشكل فعال".

وبالعودة الى المنطقة العربية، فان مصادر الطاقة المتجددة تعمل على تعزيز أمن الطاقة ودعم التنويع الاقتصادي بينما تقدم للدول الغنية بموارد الطاقة المتجددة فرصة لاستكشاف الامكانات الاقتصادية الكاملة لها – أي للدول العربية المعنية – كما أنها توفر فرصة ثانية لقيادة الطاقة المتجددة في وقتنا الحاضر، اذ ان عمليات خفض التكاليف في الحصول على الطاقة المتجددة عند بعض دول العالم والتي شهدتها مصادر الطاقة المتجددة ادت الى استجابة معظم البلدان العربية المنتجة للوقود الاحفوري الى عملية التحول نحو الطاقة المتجددة على الرغم من امتلاكها احتياطيات ضخمة لمصادر الطاقة التقليدية المتمثلة بالنفط والغاز الطبيعي، اذ ان توفر مصادر الطاقة المتجددة كالحرارة الشمسية بما يقارب (16) ساعة في اليوم ساعد كثيرا في عملية استجابة عدد من الدول العربية الى اتجاهها نحو استغلال الطاقة المتجددة.

وان اهداف الاقتصاد الاصفر مشابه الى حد ما مع اهداف بقية مصادر الطاقة المتجددة من حيث تحقيق التنمية المستدامة واستخدام الكهرباء في مجالات التصنيع وبقية القطاعات الاقتصادية الاخرى، وفيما يلي عدة ندرج عدد من الاسباب والتي تدعوا الى التحول الى مصادر الطاقة البديلة ولاسيما للدول العربية المنتجة للنفط و المستهلكة له :- (شوقي ، 2020 )

1- مضاعفة الإنتاج الزراعي :

يتضح من علم فسيولوجيا النبات أن «الطاقة الشمسية» هي المحدد الرئيسي للإنتاج الزراعي ، ومن ثَم فإنه يمكن تكثيف المحاصيل وتحميلها على بعضها بما يتيح لكل محصول منها الحصول على حقه من الطاقة الشمسية متمثلةً في عدد الساعات الضوئية التي يحتاجها كل محصول ؛ بالتالي يفتح المجال لعمل الأبحاث اللازمة للتكثيف والتحميل لأنواع متعددة من المحاصيل لتحقيق أقصى استفادة من الطاقة الشمسية.

2- تحقيق التوازن بين الأجيال الحالية والقادمة :

يُعد الاقتصاد الأصفر «الطاقة الشمسية» هو الوسيلة المثالية لتوليد طاقة نظيفة على مستوى العالم ، اذ يمكن من خلالها تحقيق المساواة بين الأجيال الحالية والقادمة ، فاستخدام الطاقة الشمسية اليوم لن يقلل من نصيب الأجيال القادمة ، بل إن الاعتماد على الطاقة الشمسية سيجعل مستقبل الأجيال القادمة أكثر أمانًا .

3- الطاقة المتجددة هي الحل المناخي الأكثر عملية والمتاحة بسهولة :

وفقا لتحليل الوكالة الدولية للطاقة المتجددة (IRENA) ، فان التوسع المتسارع للطاقة المتجددة في الدول العربية المنتجة للنفط يمكن أن يقلل من انبعاثات ثاني اوكسيد الكربون الى نحو (136) مليون طن مع حث الدول على تكثيف توجهاتها في مجال الطاقة المتجددة لإبقاء العالم أقل بكثير من درجتين مئويتين من ارتفاع درجات الحرارة وفي هذا الصدد نجد ان الامارات قد وسعت استثماراتها الحالية بأكثر من الضعف، اذ التزمت بنسبة (50%) من الطاقة النظيفة بحلول عام 2050 في قمة الأمم المتحدة للعمل المناخي في نيويورك ، مما أدى إلى المزيد من تخفيضات CO 2 مما كان متوقعا .

4- الطاقة المتجددة هي أكثر أشكال توليد الطاقة تنافسية في المنطقة :

تُعد دراسة الجدوى لمصادر الطاقة المتجددة عاملاً محفزًا مركزيًا في تحول المنطقة العربية نحو مصادر الطاقة المتجددة ، اذ تعد الطاقة المتجددة اليوم المصدر الأكثر تنافسية من حيث التكاليف لتوليد الطاقة الكهربائية ، لتحل محل مصادر الطاقة التقليدية كإجابة للطلب المحلي المتزايد بسرعة على الطاقة في المنطقة العربية ، وقد شهدت الفترة الاخيرة في الامارات تلقي (900) ميغاواط من مجمع محمد بن راشد آل مكتوم للطاقة الشمسية ، ويعد هذا المجمع واحد من أقل العروض لمشروع الطاقة الشمسية الكهروضوئية في العالم بسعر (1.7) سنت لكل كيلوواط ساعة (kWh) .

5- الطاقة المتجددة تخلق الوظائف :

يمكن لأهداف السياسة و الرؤى بعيدة الأجل التي تشهدها المنطقة العربية حتى عام 2030 ، بما في ذلك المؤسسات الخاصة والتعليم والتدريب والاستثمار في المهارات المحلية والموارد البشرية ، أن تسهل زيادة عدد الوظائف في قطاع الطاقة المتجددة ، و تشير بيانات (IRENA) إلى أن الطاقة المتجددة يمكن أن تخلق أكثر من (207000) وظيفة في المنطقة بحلول عام 2030 مع الاعتماد على تقنيات الطاقة الشمسية التي تصل نسبتها بنحو (89%) من مختلف مصادر الطاقة المتجددة التي تتمتع بها المنطقة العربية ، كما يمكن أن يؤدي انتشار الخلايا الشمسية على الأسطح وحدها إلى توظيف (23000) شخص بحلول عام 2030 في المنطقة العربية .

6- تتمتع المنطقة العربية بإمكانيات كبيرة للطاقة المتجددة :

اظهر تحليل الوكالة الدولية للطاقة المتجددة مدى ملاءمة تكنولوجيا الطاقة الشمسية الكهروضوئية في الدول العربية لاسيما في الخليج العربي عن إمكانات مهمة لعملية التوسع لهذه الطاقة ، اذ تتصدر عمان والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة والعراق ، فضلا عن تتمتع بلدان اخرى بموارد جيدة من الرياح ، كما قد تحمل تقنيات مثل الكتلة الحيوية والطاقة الحرارية الأرضية إمكانات إضافية ولكنها تظل غير مستكشفة الى الان ، واستنادًا إلى أهداف مؤتمر نيويورك في عام 2018 ، والتي إذا تم تحقيقها يمكن أن تؤدي إلى اضافة (72) جيجاوات من طاقة الطاقة المتجددة بحلول عام 2030 .

7- مصادر الطاقة المتجددة توفر المياه :

تُعد ندرة المياه تحديًا حادًا في المنطقة العربية ، حيث تصنف أربعة من الدول ضمن مجلس التعاون الخليجي الست ضمن قائمة أكثر (10) دول تواجه تحديًا للمياه على وجه الأرض ، ووفقاً لمعهد الموارد العالمية فان من المتوقع أن يزداد طلب منطقة الخليج العربي على المياه خمسة أضعاف بحلول عام 2050 اما إذا كانت دول مجلس التعاون الخليجي ستحقق أهدافها المتعلقة بالطاقة المتجددة ، فسيؤدي ذلك إلى انخفاض إجمالي يقدر بنسبة (17%) و (12%) في سحب واستهلاك المياه على التوالي. 

وعلى ضوء ما تقدم فان العراق تتوفر فيه كل مقومات نجاح التحول الى الطاقة المتجددة ولاسيما الطاقة الشمسية ، اذ يمتلك العراق نهرين كبيرين هما (دجلة والفرات) كما انه يتواجد ضمن نطاق الدول التي تتمتع بنهار مشمس طويل نسبيا في فصل الصيف تصل الى قرابة (14) ساعة في اليوم ، أي ان العراق يتمتع بأكثر من (3000) ساعة من أشعة الشمس الساطعة سنويًا ومتوسط ​​إشعاع شمسي يبلغ حوالي (5) كيلو واط / متر مربع / يوم" ، بالتالي فان الجهات المعنية كوزارة التخطيط والكهرباء العمل على التوجه نحو الاقتصاد الأصفر والأخذ به ووضعه كأحد الأهداف الاستراتيجية ضمن استراتيجية رؤيا العراق 2030 التي يتم تحديثها لمواكبة التغيرات الجديدة وضمان اتساق رؤية العراق مع الأهداف الأممية المعلنة مسبقا  (دعدوش ، 2020 ، 406) ، اذ أن الهدف السابع من الأهداف الأممية 2030 الممثل في (طاقة نظيفة وبأسعار معقولة) ينطبق على الاقتصاد الأصفر القائم على الطاقة الشمسية النظيفة التي يمكن توفيرها بسعر معقول ، لاسيما اذا حصل تنسيق بين افراد المجتمع وبقية دوائر قطاع الكهرباء في توفير ونصب الخلايا الشمسية على اسطح المنازل والعمارات بما يسهم في ترشيد استخدام الكهرباء من جانب افراد المجتمع ، وترشيد النفقات المخصصة لاستيراد الكهرباء او نفقات صيانة وتجهيز المحطات الغازية او البخارية وغيرها التي تستخدم لتوفير الكهرباء في عموم العراق على المدى المتوسط والبعيد ، كما ان استخدام الطاقة الشمسية سيوفر بيئة امنة خالية من التلوث ويجعل عملية التنمية الاقتصادية مستدامة ويخفف العبء والجهد على منظومة الطاقة الوطنية ، فضلا عن التخلص من هدر الموارد الاقتصادية والانفاق غير المخطط والفساد المنتشر في قطاع الكهرباء عن طريق الاتصال بالشركات العالمية المتخصصة واجراء عملية الاستثمار المباشر وفق احدى عقود بوت (B.O.T) بمعنى ان الشركة تقوم ببناء المشروع وتملكه وتشغيله وتلتزم بأن تحول ملكيته مرة أخرى إلى الحكومة ، او الشروع باتفاقية مع مجموعة من شركات الدول المتقدمة في عملية تجهيز الطاقة الكهربائية بصورة مستمرة مثل شركة (Siemens) الالمانية او شركة (Duke Energy USA) الامريكية .

* باحث وكاتب اقتصادي.

المصادر :

1- شوقي ، اسلام جمال الدين ، الاقتصاد الاصفر وتحقيق التنمية المستدامة ، مقال منشور ، مجلة افاق للبيئة والتنمية ، مصر ، العدد 122 ، 2020 .

2- موقع الوكالة الدولية للطاقة المتجددة  www.irena.org/solar

3- دعدوش ، علي عبد الكاظم ، الطاقة المتجددة بين محدودية الاستعمال ومعالجة ازمة الكهرباء في العراق ، مجلة كلية الادارة والاقتصاد ، جامعة بغداد ، 2020 .


مشاهدات 1940
أضيف 2020/10/27 - 1:04 PM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 4891 الشهر 65535 الكلي 7879800
الوقت الآن
الجمعة 2024/4/19 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير