الشدة المستنصرية في القرن الـ21
الباحث في الشؤون الاقتصادية إيفان شاكر الدوبرداني

هو مصطلح يطلق على مجاعة حدثت بمصر نتيجة انخفاض منسوب مياه نهر النيل بمصر لسبع سنين متواصلة عرفت بالعجاف، هذه الشدة التي ضربت مصر في عهد الخليفة المستنصر الفاطمي بين عامي 457 و 464 هجرية (من أواخر 1064 إلى أواخر 1071 ميلادية).

وروى المؤرخون حوادث أليمة فلقد تصحرت الأرض وهلك الحرث والنسل وأكل الناس حيوانات اليفة كالقطط والكلاب واشتد جوع الناس لقلة الأقوات وأكل الناس الجيفة والميتات وحصل بها جوع الذي لم يعهد مثله في الدنيا، وأكل الناس بعضهم بعضاً بسبب الجوع.

والان نحن نعيش في القرن الـ21 ودخلنا النصف الثاني من عام 2020 عام الازمات حيث يعيش العالم تحت ظل ازمات عديدة حدثت في هذا العام مجتمعة كلها في ان واحد وتعتبر هذه ازمات بمثابة تهديد لمجاعة كبيرة لعديد من الدول مشابهة بشدة المستنصرية التي حدثت قبل الف عام اي اننا سوف نشاهد شدة المستنصرية في القرن الـ21 اذا لم نتحرك وبقينا ساكنين، فهل سيعيد التاريخ مرة أخرى هذه الشدة في ظل هذه الظروف السيئة التي نعيشها وربما هذه مرة في بقعة اكبر وهي في منطقة الشرق الأوسط وجنوب اسيا والقرن الافريقي وشمال أفريقيا هما اكثر تهديدا، تحت ظل هذه التحديات الكبيرة التي يعيشونها فهل سيكونون مقبلون على مجاعة اذا لم يتحسن الوضع خلال الفترة القادمة.

ومن اشد الازمات التي نعيشها في الوقت الراهن وهي ازمة كورونا وازمة اسراب الجراد الضخمة وازمة التوتر الأمريكي الصيني الذي ربما ينفجر في اي لحظة و ازمة انهيار العملات في بعض الدول النامية وازمة سد النهضة وازمة الصراع العسكري المشتعل في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وازمة حقول غاز بشرق البحر المتوسط.

كل هذه ازمات إذا أخذناه بنظر الاعتبار فهي تمثل تهديد للأمن الغذائي العالمي وقد تسبب مجاعة لمئات الملايين.

وسوف اتكلم عن هذه الأزمات بالتفصيل و بداية بأزمة كورونا:

1_ ازمة فايروس كورونا الذي ذعر العالم و اربكه صحيا واقتصاديا واصاب حوالي 13 مليون شخص حول العالم وافتكت بأرواح تعدت النصف مليون شخص والاصابات مستمرة لحد الان وفايروس كورونا مستمر في حصد الأرواح حول العالم و شل الحياة اليومية للناس وانكمش الاقتصاد العالمي بأسرع وتيرة لم يشهده من قبل وشل الاقتصاد العالمي ولأول مرة ينهار العرض و الطلب سوياً تحت ظل ازمة فايروس كورونا وكذلك ينذر بأزمة بطالة غير مسبوقة ويقدر بحوالي عشرات الملايين من الموظفين والعمال حول العالم قد يلتحقون بركب البطالة بسبب ازمة كورونا وكذلك حذرت منظمة اوكسفام الخيرية ان حوالي 50 مليون شخص مهددون بالجوع في غرب أفريقيا وكذلك حذرت منظمة اوكسفام ومنظمة فاو أيضآ بأزمة جوع عالمية تشمل اليمن وسورية والسودان بسبب تفشي فايروس كورونا وهذا ينذر بكارثة انسانية لم يشهده العالم من قبل.

2 _ ازمة الجراد الصحراوي و في الآونة الأخيرة اجتاحت اسراب الجراد الصحراوي اكثر من 23 دولة في القرن الافريقي والخليج العربي وجنوب اسيا والتهمت المحاصيل و دمرت مزارع هذه الدول ممايشكل خطرا كبيراً في امنهم الغذائي و كان النصيب الأكبر لهذا الغزو هما دول القرن الافريقي واليمن وباكستان والهند اكثر الدول ضررا من اسراب الجراد الصحراوي التي دمرت أكثر من 50 الف هكتار من اراضي الزراعية في الهند ويساوي الهكتار الواحد 10 آلاف متر مربع وحيث يعد هذا الغزو الاسواء منذ ربع قرن و بات الجراد يمثل تهديدا للأمن الغذائي لثاني اكبر دولة بالعالم من حيث عدد السكان.

3 _ ازمة التوتر الأمريكي الصيني الذي ربما ينفجر في اي لحظة مع قرب الانتخابات الرئاسية الأمريكية المقرر اجراؤها في 3 نوفمبر (تشرين الثاني) من عام 2020 فيما تزداد المخاوف من أسوأ سيناريو من احتمال انزلاق هذا التوتر إلى نزاع عسكري مفتوح لا تحمد عقباه بين أقوى جيشين في العالم من شأنه يهدد الأمن والسلام العالميين وفي حال حدوثها سيكون المحيط الهادئ الغربي والمحيط الهندي الأقرب استهدافا والأكثر تضررا بسبب وجود قواعد عسكرية أمريكية مما يسبب ارباك وشلل لحركة الناقلات البحرية العالمية وكذلك سيؤثر سلبا على حركة الناقلات التي تنقل المؤن الغذائية بالتحديد في المحيط الهندي والمحيط الهادئ الغربي والبحر الصيني مما يسبب نقص في إمدادت الغذائية لعديد من الدول التي تستورد المؤن الغذائية من الدول التي تقع على المحيط الهندي والبحر الصين التي تعتبر مصدر غذائي للعالم لامتلاكها أراضي زراعية شاسعة وبالتالي سيكون مثابة تهديد لأمنهم الغذائي للدول التي تستورد من الدول التي تقع في المحيط الهندي والبحر الصيني وبالتالي سيؤدي الى كارثة انسانية.

4 _ في خضم أزمة انهيار العملات في بعض الدول النامية من بينهم سورية وتركيا ولبنان وايران وحيث انخفضت مؤخراً قيمة عملة الليرة السورية إلى 2300 ليرة مقابل واحد دولار وكذلك انخفضت قيمة الليرة لبنانية إلى 8000 ليرة مقابل دولار الواحد وتركيا أيضاً انخفضت قيمة عملتها إلى حوالي 685 ليرة تركية مقابل 100 دولار أمريكي وسجل الريال الإيراني هبوطاً تاريخياً أمام الدولار الأميركي ليسجل قيمة متدنية وصلت إلى 210 آلاف ريال إيراني مقابل الدولار الواحد و في هذه البلدان ارتفعت اسعار السلع الغذائية الأساسية والخبز واللحوم إلى أضعاف مضاعفة مما أصاب الناس الذعر والخوف لعدم مقدرتهم على الشراء المواد الغذائية لقوتهم اليومي مماينذر هذه ازمة إلى كارثة إنسانية غير مسبوقة يسبب جوع لملايين الأشخاص تحت ظل أزمة مسلسل انهيار العملات.

5 _ ازمة ملء سد النهضة كلما كان ملئ السد اسرع كلما كان تاثيره أشد على انخفاض منسوب مياه نهر النيل و بالتالي يؤدي إلى ضرر كبير على الزراعة والري كل من مصر والسودان وذلك يؤدي إلى نقص حاد في المواد الغذائية الاساسية لأكثر من 150 مليون شخص يعيشون في المصر والسودان مما يعتبر بمثابة تهديد لامنهم الغذائي و سوف تكون شدتها مشابهة بشدة المستنصرية التي حدثت في مصر قبل حوالي الف عام.

6 _ الصراع العسكري الذي يدور في منطقة الشرق الأوسط و شمال افريقيا والحروب بالوكالة بين العديد من الدول المؤثرة إقليميا و بالتحديد على اراضي السورية واليمنية وليبيا أيضاً سيكون لها تداعيات خطيرة ومرعبة وستهدد بتشريد الملايين الأشخاص من منازلهم وبالتالي يسبب جوع لملايين الأشخاص الذين يعيشون تحت سقف الحروب المدمرة في هذه المناطق المشتعلة باللهيب السلاح والدخان مما يؤدي إلى نهاية المطاف إلى كارثة إنسانية لا تحمد عقباه.

7 _ في خضم الصراع الدولي و الإقليمي على حقول غاز بشرق البحر المتوسط و في حال تطور صراع النفوذ بين دول المنطقة الى نزاع عسكري سوف تكون عواقبه وخيمة على المنطقة والعالم اجمع وحوالي 10 دول المنطقة التي تتصارع فيما بينها من اجل الحصول على حقول الغاز في البحر المتوسط معظمهم يمتلكون ترسانات ضخمة من الأسلحة المتطورة الفتاكة والغواصات والسفن الحربية المتطورة وفي حال نشوب حرب فيما بينهم فسوف يشتعل البحر المتوسط برمته مما يشل ويربك حركة الناقلات في البحر المتوسط مما يسبب ازمة تجارية اقتصادية غذائية عالمية وبالتالي سوف يسبب كارثة اقتصادية وانسانية وفقر ومجاعة لملايين الناس الذي سوف يقتلهم الجوع في نهاية المطاف.

الأن يعيش العالم في ازمة تاريخية غير مسبوقة في التاريخ البشري و تحت ظل تحديات صعبة جداً و اذا بقيت قادة العالم ساكنة امام هذه الأزمات و لم يتحركوا سوف تكون هذه مناطق التي أشرت عليها سوف تكون مقبلة على مجاعة عظيمة فهل سيشهد العالم في الوقت الراهن ازمة غذائية مشابهة بشدة المستنصرية التي حدثت قبل حوالي الف عام.

و ان هذه ازمات سوف تتعقد اكثر في اشهر مقبلة بسبب انقسام قيادات الدول العالم وازمة كورونا كانت خير دليل على أنانية قيادة الدول العظمى والذي كان من مفترض ان يكونوا متحدين مع بعضهم، و ليس من مستبعد في حال تطورت الأزمة ان نشهد عمليات القرصنة على الناقلات التي تنقل المؤن الغذائية كما حصل قبل بضعة اشهر في عدة دول لعمليات قرصنة على الكمامات.

و في ظل هذه ازمة سوف تبرز دور القيادات المتمكنة والغير المتمكنة في الدول النامية و على القيادات المتمكنة ان تتوقع أسوأ السيناريوهات و لكي تستطيع مواجهة كل مشاكل وتنتصر على هذه ازمات لأن توقع المشكلة قبل حدوث المشكلة يسهم في حل مشكلة و تقليل اثارها السلبية لهذا تقع المسؤولية على عاتق القادة للعمل على تأمين نظامهم الغذائي و انقاذ ملايين الاشخاص من الجوع والفقر.


باحث في الشؤون الاقتصادية


مشاهدات 2596
أضيف 2020/07/18 - 1:00 PM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 3121 الشهر 65535 الكلي 7520013
الوقت الآن
الثلاثاء 2024/3/19 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير