وكالة الإقتصاد نيوز

فايروس كورونا والليفياثان: كوارث تنتظر البلدان الفقيرة
د. مهند طالب الحمدي أستاذ الاقتصاد في جامعة ولاية كنساس الأمريكية


في غضون أسابيع قليلة، أحدث إنتشار فايروس كورونا المُتجدد أكبر تمدد دراماتيكي لقوة الدولة في الديمقراطيات الغربية منذ الحرب العالمية الثانية. اصبح من الصعب معرفة نمط الحياة اليومية الإعتيادية حيث يواجه المواطنون المحظورون من الخروج من المنازل عقوباتٍ عند مغادرتهم المنزل دون سبب مقبول كما تحدده السلطات. إذا كانت تجربة بعض الدول الآسيوية مثالاً يُحتذى به، فإن التحكم في منع إنتشار العدوى يتأتى على حساب التخلي عن الخصوصية الطبية والإلكترونية للناس. تتحول الاقتصادات أيضاً. مع توقع حصول ركود اقتصادي عميق، والذي يبدو أن لا مفر منه، فإن حجم الدين العام ليس مسألة ذات شأن.

ستقدم الحكومة الفديرالية الأمريكية دعماً بقيمة 2 تريليون دولار للاقتصاد الأمريكي، وهو أكثر من ضعف ما تم تقديمه خلال الأزمة المالية العالمية بين عامي 2007 و 2009. حتى الحكومة الألمانية، المعروفة بتقشفها، بدأت في زيادة دعمها للاقتصاد من خلال الصرفيات النقدية. البنوك المركزية تقوم بشراء الأصول التي رفضت شراءها ذات مرة. سيتم إنقاذ الشركات المُتعثرة ودعم الأجور. يبدو أن هناك اتفاق مابين التيارات المجتمعية القائدة في الولايات المتحدة وبريطانيا على أن هناك حاجة إلى حكومة أكبر لمكافحة الوباء، وأن بعض التغييرات التي تحصل اليوم، مثل زيادة الاستثمار في الصحة العامة، أمر مرغوب فيه. لكن التاريخ يعطينا الدروس بأن الدولة، بمجرد أن تنمو، ستظل كبيرة. إن التوسع المحتمل للعادات الاقتصادية السيئة، مثل دعم الدولة للشركات المُفضّلة، والتراجع عن التجارة الدولية، من بين أمور أخرى، أمر مُثير للقلق. لكن المشكلة الأكبر تكمن في التهديدات للحرية، لا سيما عمليات المراقبة التطفلية، لا سيما إذا كان يتم النظر على تعامل الصين مع إنتشار وباء كورونا كمثال لبقية الدول.

يسبب إنتشار فايروس كورونا الخراب والخسائر في البلدان الغنية، لكنه يهدد بخلق المصائب في البلدان الفقيرة. من المعروف أن تطبيق عملية التباعد الاجتماعي شيء شبه مستحيل في أحياء الفقراء المزدحمة بالناس في الدول الفقيرة، وأن تحقيق عملية غسل اليدين مسألة صعبة بدون وجود ماء جار. بالنسبة للكثيرين في تلك البلاد، فإن عدم العمل يمكن أن يعني المجاعة. النظم الصحية ليست في وضع يمكنها من التأقلم مع إنتشار الوباء بالسرعة التي يشهدها العالم. وعليه قامت العديد من البلدان بإصدار أوامر حظر التجوال. في يوم 24 آذار الماضي، طلبت الهند من مواطنيها البالغ عددهم 1.3 مليار نسمة البقاء في منازلهم. فعلت جنوب أفريقيا، التي لديها أكثر حالات الإصابة في القارة الأفريقية ونسبة زيادة الإصابات المشابهة لحالة إيطاليا عندما كان عدد الإصابات هناك مشابهاً، الشيء نفسه في اليوم السابق لقرار الهند. قد تكون البلدان الأخرى في القارة الأفريقية متأخرة في قراراتها المتعلقة بالتعامل مع الوباء بأيام. لكن بعض قادة الدول، مثل رئيس البرازيل، الرئيس جاير بولسونارو، في حالة إنكار. والبعض الآخر ليس لديه أدنى معرفة بالمخاطر والتبعات كما هو الحال مع رئيس تنزانيا، جون ماجوفولي، الذي قال إن الكنائس يجب أن تظل مفتوحة لأن فايروس كورونا "الشيطاني" لا يمكنه البقاء في جسد المسيح. الله هو من يحفظنا.

بعد إيطاليا، أصبحت إسبانيا هي الدولة الأكثر تضرراً من إنتشار فايروس كورونا. بلغ عدد الوفيات أكثر من 10,000 شخص حتي يوم 2 نيسان. وافق البرلمان الاسباني الاسبوع الماضي على تمديد حالة الطوارئ المفروضة منذ يوم 14 آذار حتى عيد الفصح. تُعّد القيود التي فرضتها الحكومة الاسبانية من بين أشد القيود في أوروبا: معظم الإسبان باقون في منازلهم، مع عدم السماح بالممارسات الرياضية خارجاً. وقعت أكثر الوفيات في دور رعاية المسنين التي يعاني الكثير منها من نقص الطواقم الطبية الملائمة. كان رد فعل الحكومة والخدمات الصحية بطيئاً. ظهر عدم الاستعداد واضحاً من خلال النقص الحاد في معدات الاختبارات التي تحتاجها الطواقم الصحية وكذلك معدات الوقاية، وأدى ذلك إلى إصابة العديد من العاملين في المجال الصحي، حيث تقدر نسبة من أصيب منهم بحوالي 14% من جميع حالات الإصابة بالفايروس. ولكن على الرغم من الإستجابة الأولية المتأخرة، فإنه منذ أن بدأت حالة الطوارئ، بدا رئيس الوزراء السيد بيدرو سانشيز أكثر ثقة وإصراراً على التحدي.

تلقت التجارة الدولية بعض الضربات في السنوات القليلة الماضية. في عام 2009، انهار حجم التداول التجاري العالمي بنسبة 13٪. أحدثت الحرب التجارية الأمريكية مع الصين والصراعات مع بلدان أخرى مزيداً من الخدوش. لكن تأثير إنتشار فايروس كورونا على التجارة الدولية يمكن أن يكون أكثر وحشية من تأثير الأزمة المالية العالمية. في البداية، ضرب الفيروس الصادرات الصينية التي انهارت قيمتها بالدولار بنسبة 17٪، على أساسٍ سنوي، مابين شهري كانون الثاني وشباط. تعاني الشركات في القارات الأمريكية وآسيا وأوروبا الآن من مزيجٍ مذهل من إنتشار المرض في صفوف موظفيها وعمليات الإغلاق التي تمت. والأسوأ من ذلك، أن الحواجز التجارية، ولا سيما القيود المفروضة على الصادرات الطبية، آخذة في الارتفاع. تُجبر الضوابط الأكثر صرامة على حركة البضائع والسلع خلال الحدود المفتوحة عادة الشاحنات على الانتظار في صفوفٍ طويلة تمتد لأميال عدة بعض الأحيان. يتوقع السيد سيمون ماكادام من مؤسسة كابيتال إيكونوميكس، وهي مؤسسة أبحاث اقتصادية مستقلة،  انخفاض حجم التجارة الدولية بنسبة 20٪ هذا العام. إذا كانت التوقعات المُتشائمة في مايتعلق بالناتج المحلي الإجمالي صحيحة، فقد يكون الإنخفاض في حجم التجارة الدولية أسوأ من المتوقع.

تبدو المياه في قنوات مدينة البندقية رائقة، وأنخفضت مستويات أوكسيد النيتروجين وتركيزات جزيئات السخام الدقيقة في المدن الصينية. كما تنخفض انبعاثات الملوثات الأكثر ضرراً أيضاً حول العالم بشكلٍ واضح. يقول الباحثون إن تركيز غاز ثاني أوكسيد الكربون فوق مدينة نيويورك قد انخفض هذا الشهر بنسبة 8 إلى 10٪. وتشير التقديرات إلى أن الانبعاثات التلوثية في الصين كانت أقل بنسبة 25٪ في شهر شباط مقارنة بالشهر نفسه من العام الماضي. من المُرجح أن يتسبب إنتشار فايروس كورونا في تحسنٍّ قصير الأجل في ما يتعلق بإنبعاثات ثاني أوكسيد الكربون مع تغير حجم الاقتصاد العالمي. ربما يبلغ ذلك الانخفاض نسبة 4٪ هذا العام، وهو ضعف الانخفاض الذي حصل أثناء الأزمة المالية بين عامي 2007 و 2009. لكن الانبعاثات عادت للتزايد بعد إنتهاء الأزمة المالية. هذه المرة أيضاً، من غير المحتمل أن يستمر الإنخفاض في الانبعاثات طويلاً. ليس فقط أن الاقتصادات ينبغي أن تعود للنمو، لكن بعض ردود الحكومات، مثل حزمة الانقاذ لصناعات النفط والغاز من قبل حكومة كندا؛ ووعود الحكومة الصينية بالإنفاق على مشاريع الإنشاءات والبناء، والمساعدات الموعودة لشركات الطيران في كل أنحاء العالم، تبدو بالتأكيد غير ودية لبيئة كوكب الأرض.

الليفاياثان: مصطلح استوحاه الفيلسوف الانجليزس توماس هوبز من الأساطير الدينية القديمة للإشارة إلى توسع السلطة القوية وهيمنتها على حياة الناس.

* أستاذ الاقتصاد في جامعة ولاية كنساس الأمريكية


مشاهدات 1078
أضيف 2020/04/29 - 1:19 PM
تحديث 2024/03/29 - 5:08 PM

طباعة
www.Economy-News.Net