آفاق الطاقة وصعوبة استشرافها
وليد خدوري

تختلف وجهات النظر حول مستقبل الطاقة خلال المديين المتوسط والبعيد. وتتعدد الآراء وفقاً للمصادر التي تبحث في هذا الموضوع الحيوي. وتنشر سكرتارية منظمة «أوبك» تقريراً سنوياً تعالج فيه مستقبل كل من الوقود الأحفوري (النفط والغاز والفحم)، وبدائل الطاقة المستدامة (الشمس والرياح) والطاقة الذرية، وذلك للعقدين المقبلين. وأخذ هذا التقرير السنوي محله ما بين أهم مصادر الطاقة الرئيسة. والكتاب الذي نحن بصدده هو «استشراف مستقبل النفط العالمي، 2016» الذي يعالج تطور قطاع الطاقة حتى عام 2040.

لا يمكن البدء بمعالجة مستقبل الطاقة من دون التطرق أولاً إلى الأمور الملتبسة أو الغامضة. وهذه تشمل على سبيل المثال، إمكان الاستمرار القوي للاقتصاد الصيني، ما أدى إلى زيادات سنوية قياسية متتالية في الطلب على الطاقة. كما هناك تأثير انسحاب بريطانيا من الاتحاد الأوروبي (بريكزيت)، وسرعة الإنتاج التجاري للبطاريات الكهربائية للسيارات. فقد استطاع بعض كبار شركات السيارات إنتاج أنواع جديدة من السيارات الكهربائية، مثل «هيونداي أيونيك» و «جنرال موتورز بويت أي في» و «تيسلا موديل 3» وهناك استثمارات ضخمة من قبل شركات السيارات الأخرى في هذا المجال. وبحسب التقرير «تبقى هناك درجة كبيرة من الضبابية بخصوص السيارة الكهربائية وإمكاناتها وحدودها، بخاصة في ما يتعلق بسعرها، ومدى إمكان قيادتها من دون التوقف لشحن البطارية، في حال تواجد محطات وافية للشحن الكهربائي».

وأضاف اتفاق باريس المناخي في كانون الأول (ديسمبر) 2015، عاملاً إلى الضبابية في هذا المجال. لقد وافقت أقطار «أوبك» كلها على هذا الاتفاق، خصوصاً على الفصل الثاني منه. لكن لا تزال هناك أسئلة عدة من دون جواب واضح حول إمكان تنفيذ مسيرة الاتفاق واحتمال تنفيذ جميع الدول الموقعة، التزاماتها، وفقاً للتعهدات التي التزمت بها.

وهناك أيضاً، «الأهداف الجديدة التنموية العالمية المستدامة لعام 2015» أو ما يعرف بمكافحة فقر الطاقة عالمياً. لقد أطلق هذا البيان الصادر عن الأمين العام للأمم المتحدة في حينه، وللمرة الأولى، دور الطاقة الأساس في عملية التنمية العالمية. وطبعاً، هنا أيضاً يجب متابعة مدى تنفيذ هذه الأهداف وما هي السياسات التي سيتم تبنيها وتنفيذها في هذا المجال.

أخيراً، يؤكد التقرير أن من غير الممكن غض النظر عن التطورات السياسية الكبرى. فالانتخابات الرئاسية الأميركية أضافت الكثير من الضبابية في مجال الطاقة، نظراً إلى الدور المهم الذي تلعبه الولايات المتحدة على الصعيد العالمي. وهناك، طبعاً، التطورات الجيوسياسية التي تضيف إلى ضبابية مسار النفط.

يخلص تقرير «أوبك» العاشر لاستشراف مستقبل النفط، بعد درس العوامل أعلاه وأخذها في الاعتبار، إلى ما يأتي:

من المتوقع زيادة عدد سكان العالم نحو 1.772 مليون شخص ليصل إلى حوالى 9.078 بليون بحلول عام 2040. وسيحصل معظم الزيادة السكانية في الدول النامية، بخاصة في الشرق الأوسط وأفريقيا والهند.

أخذت معدلات النمو السكاني تتجه تدريجاً نحو الانخفاض منذ السبعينات. ويتوقع أن يستمر معدل الانخفاض هذا مستقبلاً. ويرجح على الصعيد العالمي، أن ينخفض معدل النمو السكاني السنوي حوالى 0.7 في المئة بحلول عقد الثلاثينات المقبل، وأن يتجه عمر السكان عالمياً إلى الزيادة. ويشكل من هم فوق سن الـ65 حالياً 8 في المئة من مجمل عدد السكان عالمياً. ويتوقع أن يزداد هذا المعدل العمري إلى 14 في المئة بحلول عام 2040.

وينتظر أن يحصل تغيير في نمو مجمل ناتج الدخل القومي العالمي من 3.5 في المئة سنوياً حالياً، وأن يرتفع على المدى البعيد خلال الفترة 2015-2040 إلى 3.7 في المئة.

وتشهد الهند تطوراً قياسياً في ناتج الدخل القومي خلال ربع القرن المقبل. وسيفوق الناتج عندها ناتج الدول الأوروبية مجتمعة بحلول عام 2034، ويتوقع أن يصل الناتج في الهند مستواه في الولايات المتحدة بحلول 2040. وأن يتوسع حجم الاقتصاد العالمي 234 في المئة بحلول عام 2040 مقارنة بعام 2015. وسيكون مصدر معظم هذا النمو من الدول النامية.

من الواضح أن استنتاجات «أوبك» مبنية على أهمية ازدياد عدد سكان العالم، وكذلك إلى النهوض بمستوى المعيشة في الدول النامية. لكن ما هو مصدر الطاقة الأساس بحلول عام 2040؟ وبخاصة، ما الذي سيحصل لدور النفط مع إمكان انحساره كوقود لقطاع المواصلات. وما هي التطورات المهمة في صناعة البتروكيماويات؟

 

* كاتب عراقي متخصص بشؤون الطاقة


مشاهدات 2869
أضيف 2017/08/06 - 8:44 AM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 1207 الشهر 65535 الكلي 7893638
الوقت الآن
السبت 2024/4/20 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير