أسواق النفط بعد اجتماع سانت بطرسبرغ
وليد خدوري

استقر سعر نفط الإشارة «برنت» متراوحاً في نطاق ضيق بين 45 و50 دولاراً للبرميل منذ بداية حزيران (يونيو) الماضي وحتى نهاية تموز (يوليو) الجاري. لكن بدأ السعر يزداد تدريجاً بعد انتهاء الاجتماع النفطي الوزاري في سانت بطرسبرغ، الذي جمع 24 دولة مصدّرة (أوبك وحلفاؤها وتحديداً روسيا)، من نحو 48.50 دولار للبرميل إلى ما يزيد على 50 دولاراً. وعلى رغم ذلك، تبقى الأسعار الحالية أقل بنحو 8.50 دولار مما كانت عليه في هذا الوقت من العام الماضي.

ويُعزى السبب الرئيس لهذا التحرك في السعر إلى البيانات والتصريحات الصادرة بعد مؤتمر سانت بطرسبرغ، وكان رد فعل الأسواق الأولي فاتراً في بادئ الأمر، لأن البيان الوزاري الرسمي أكد زيادة الطلب والاستمرار في معدلات الخفض التي تعهدت بها الدول مطلع هذه السنة، أي تقليص نحو 1.8 مليون برميل يومياً بدءاً من كانون الثاني (يناير) من هذه السنة حتى نهاية آذار (مارس) 2018. لكن نبرة الأسواق تغيّرت في ضوء تصريح وزير الطاقة السعودي خالد الفالح على هامش الاجتماع، قائلاً إن بلاده «ستخفض صادراتها إلى نحو 6.6 مليون برميل يومياً في آب (أغسطس) المقبل أو نحو 600 ألف برميل أقل من مستواها قبل عام تقريباً». ومن المعروف، أن السعودية تزيد صادراتها عادة مع حلول نهاية فصل الصيف، مع بدء انخفاض استهلاك الكهرباء، من ثم المفاجأة بتقليص الصادرات الإضافية للسعودية عما هي ملتزمة به في اتفاقها مع بقية المصدرين. والسؤال الذي يُطرح، لماذا هذا الخفض الإضافي؟ والآراء المجيبة متعددة. إذ أشار مراقبون إلى أهمية تأكيد الرياض على التزامها الاتفاق مع «أوبك» والمصدرين الآخرين، وعدم رضاها على إخلال بعض الدول المصدرة الالتزام بتعهداتها، ما أحدث زيادة ملحوظة في إنتاج أقطار «أوبك» في حزيران الماضي.

ولفت آخرون ومنهم وكالة الطاقة الدولية، إلى أن الطلب العالمي في النصف الثاني من السنة، أعلى من الزيادة المتوقعة للإمدادات، ما سيزيد وسرعة السحب والحجم من المخزون العالمي. لكن لا يُستبعد تغير الصورة في الربع الأول من عام 2018، ما سيعزز مجدداً مستوى المخزون النفطي العالمي.

وتحدّث مراقبون أيضاً عن الحذر الذي خيّم على اجتماع سانت بطرسبرغ، من عدم التزام بعض الدول تعهداتها، ما يرفع الإمدادات بسرعة ويقلّص من سرعة هبوط مستوى المخزون العالمي. وربما يقوّض ذلك محاولة خفض المخزون إلى معدلاته الاعتيادية، كي يكف الضغط على الأسعار ويرفعها عن مستواها المتدني الحالي. فإذا استمر المخزون على مستوى أعلى من معدله للسنوات الخمس الماضية، على رغم اتفاق خفض الإنتاج الأول والثاني الحالي، وما دام هذا المخزون أعلى من المستويات المنشودة، فهو سيلقي بظلاله على الأسعار ويبقيها على مستوياتها المنخفضة. والحذر من أن يزداد عدد الدول غير الملتزمة تعهداتها لخفض الإنتاج، ومن ثم العجز عن تقليص حجم المخزون إلى المستوى المنشود.

وأفادت معلومات صادرة أخيراً عن منظمة «أوبك»، بأن المخزون النفطي لدى الدول الصناعية تراجع نحو 90 مليون برميل خلال النصف الأول من السنة. لكن، رأت أن مستوى المخزون لا يزال أعلى بنحو 250 مليون برميل من معدله خلال السنوات الخمس الماضية، وهو المؤشر الذي تعتمده المنظمة لاستقرار مستوى المخزون، كي تصبحة ممكنةً إعادة الاستقرار إلى الأسواق.

ويُضاف إلى هذه التطورات، عامل مهم يكتنفه الغموض. إذ وكما هو معروف، استُثنيت نيجيريا وليبيا وهما عضوان في «أوبك» من اتفاقات خفض الإنتاج، بسبب الأوضاع الداخلية المضطربة فيهما. وأعلن وزير النفط النيجيري، أن بلاده ستحافظ على معدل إنتاج 1.8 مليون برميل يومياً في حال تحقيقه. كما سُجل تفاؤل في إمكان نجاح الوساطة الفرنسية التي قادها الرئيس الفرنسي إيمانويل مكرون في استقرار البلدين، ومن ثم زيادة الصادرات الليبية. لكن، وبناء على التجارب السابقة، صدرت في الماضي مؤشرات تفاؤلية حول البلدين، ثم سرعان ما انتكست. لذا تستمر الشكوك حول إمكان رفع صادرات البلدين إلى مستوياتها المعتادة.

ودلت تجربة محاولة استقرار الأسعار إلى مؤشرين مهمين على المدى الطويل، الأول يتمثل بصعوبة منظمة «أوبك» مستقبلاً في التعاطي مع استقرار الأسعار بعد تدهورها، من دون التشاور والتعاون مع الدول المنتجة الأخرى وتحديداً روسيا. والثاني هو المدى الذي بدأ يأخذه التعاون السعودي- الروسي في قطاع النفط، ليس فقط في مجال التعاون بين الدولتين المنتجتين لاستقرار الأسعار، نظراً إلى أهمية هذا الأمر بالنسبة إلى اقتصادهما، بل أيضاً في الدور الريادي الذي اضطلعا به معاً في تأكيد التزامهما تنفيذ تعهداتهما لخفض الإنتاج، بعد تجارب سابقة لم يحالفها النجاح. وكذلك، وكما تشير إلى ذلك، الاجتماعات واللقاءات بين شركة «أرامكو السعودية» والشركات النفطية الروسية في توثيق العلاقات الاقتصادية والصناعية النفطية في ما بينهما.

  • كاتب عراقي متخصص بشؤون الطاقة

نقلا عن صحيفة "الحياة" اللندنية


مشاهدات 2900
أضيف 2017/07/30 - 10:48 AM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 5520 الشهر 65535 الكلي 7839486
الوقت الآن
الثلاثاء 2024/4/16 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير