رؤية في الإصلاح الإقتصادي والمصرفي ما بعد «داعش»

إن أغلب الدول وخصوصاً الدول النامية والعراق واحد منها تعتمد مناهجها ونظامها الإقتصادي على الفكر والفلسفة والأيديولوجية التي يؤمن بها النظام السياسي وتستند في ذلك على الموارد الإقتصادية والبشرية والطبيعية والبنى التحتية والهيكلية والارتكازية المتاحة للإقتصاد والاهداف الاستراتيجية المطلوب تحقيقها لرفاهية المجتمع وتأمين احتياجات الشعب الأساسية والتي تجعله يشعر بأن نظامه السياسي يعمل من أجل خدمته وبناء مستقبله.

ولكن في ظل الظروف السياسية والأمنية والإقتصادية الخاصة التي يعيشها العراق حالياً وبشكل خاص ما يعانيه الواقع الإقتصادي المضطرب والأزمة المالية التي بدأت تؤثر تأثيراً واضحاً على عرقلة تنفيذ خطط الحكومة والقطاع الخاص في المساهمة بالتنمية الإقتصادية، حيث إن لهذه الأزمة أسبابها وتداعياتها الحالية والمستقبلية بسبب الهبوط المفاجئ لأسعار النفط في السوق العالمية وهو المورد الأساسي للعراق إقتصادياً والذي يشكل بحدود 60% من الناتج المحلي الاجمالي و95% من الإيرادات السنوية في الموازنة العامة، والفشل الواضح في خلق موارد إقتصادية جديدة وضعف التخطيط الإقتصادي وعدم التنسيق بين السياستين المالية والنقدية واستمرار العجز من سنة إلى أخرى في الموازنات العامة بسبب عدم الاحتفاظ بالاحتياطات النقدية لافتقار وجود صندوق سيادي أسوة بالدول النفطية الأخرى، يضاف إلى ذلك ارتباك الرؤية الإقتصادية المعمقة بالخلفيات وبواقع الإقتصاد العراقي الريعي، وهجرة رؤوس الأموال الوطنية إلى الخارج بسبب الظروف الذاتية والموضوعية أعلاه، فإن الذي يهمنا هنا هو الإقتصاد العراقي وما هو الجديد فيه؟ وما هي درجات التطور والتخلف في حلقاته الأساسية؟ وما هي انعكاساتها على التنمية المستدامة؟ وما هي استراتيجيتنا الإقتصادية ما بعد داعش؟

ولكي يتحقق ذلك نقترح ما يأتي:

الإطار العام

رسم خارطة طريق على المستوى المرحلي والاستراتيجي لإعادة صياغة المنهج الإقتصادي الجديد للعراق والذي يعتمد آليات الانتقال إلى إقتصاد السوق

تفعيل القرارات التي توصلت إليها لجان الخبرة المشكلة في مجلس الوزراء في عام 2015 لكل قطاع من القطاعات الإقتصادية تتولى تطبيق خارطة الطريق لكل قطاع إقتصادي ويخضع تنفيذ هذه القرارات للمتابعة والمراقبة والتقييم

تشكيل لجنة قانونية مشتركة لإعادة صياغة وتعديل وإصدار قوانين جديدة تخدم تطبيق خارطة الطريق التي يتم إقرارها وهي جميع قوانين البيئة التشريعية التي تنظم وتدير الإقتصاد العراقي بمنهجه الجديد.

رسم ووضع السياسات والآليات لضمان الشراكة بين القطاع العام والخاص، وإشراك القطاع الخاص في صناعة القرارات الإقتصادية وإدارة الإقتصاد وتأسيس مجلس قيادة السوق من ممثلي القطاع الخاص وتكون مهامه وفق ما ورد في استراتيجية تطوير القطاع الخاص للسنوات (2013-2014).

ونحن ننطلق في ذلك من تجربة عراقية خالصة تنسجم مع كل شيء عراقي صميمي في الوعي والثقافة والعمل المخلص والغد المشرق الذي نراه بعيون متفائلة، ونعمل وفق مبدأ (نختلف في السياسة ويوحدنا الإقتصاد) لأن الشعوب لا تتحقق رفاهيتها وسعادتها ومستقبلها الزاهر بدون إقتصاد وطني متين يساهم في بنائه الجميع، وإن أسس هذا البناء متوفرة في العراق.

 منهجية الاصلاح الإقتصادي والمصرفي المقترحة:

أولاً: مراجعة وتقييم وإعادة بناء النظام الهيكلي والمؤسساتي للإقتصاد

وفقاً لما يأتي:

١- تأسيس (المجلس الإقتصادي) على أن يرتبط بمجلس الوزراء بمشاركة واسعة من خبراء الحكومة وخبراء القطاع الخاص مناصفة، يتولى التخطيط الاستراتيجي للإقتصاد وتحديد السياسات التنفيذية ومتابعة ومراقبة التنفيذ ويصدر ذلك بقانون تلتزم به الوزارات وجميع مؤسسات وقطاعات الدولة وتكون قراراته ملزمة التنفيذ بعد مصادقة مجلس الوزراء. ويتولى الاشراف ومتابعة المؤسسات الإقتصادية الوطنية التالية:

أ- الصندوق الوطني للادخار.

ب- اللجنة العليا للاستيراد والتصدير والاستثمار.

ج - صندوق الإعمار الوطني.

د - لجنة دعم وحماية الإنتاج الوطني.

هـ - لجنة تنمية المشاريع الصغيرة والمتوسطة.

و- لجنة الخدمة العامة.

ثانياً: إعادة مراجعة وتقييم تطبيقات السياستين المالية والنقدية

بالرغم من قيام البنك المركزي العراقي بإعداد وإطلاق استراتيجيته للسنوات (2016-2020) والتي تضمنت أهدافاً رئيسية وفرعية لتحقيق الاستقرار المالي وتطوير النظام المصرفي وفقاً لآليات ونقاط عمل جديدة لكن ذلك لا يمنع من قيام البنك المركزي كأولويات بما يأتي :

قيام البنك المركزي ووزارة المالية بتحليل الموقف المالي للمصارف الحالي والمتوقع للسنوات (2017-2020) وتحديد الحاجة الفعلية للسيولة لإدامة التداول النقدي في السوق العراقية وتنشيط الدورة الإقتصادية في كافة المجالات، ووضع خطة استباقية تحول دون إفلاس وانهيار بعض المصارف وإدامة عجلة العمل المصرفي في ظل الظروف الراهنة واستخدام آليات وأدوات جديدة لتطبيقات السياسة النقدية.

إن هيكلية التمويل المصرفي الراهن تعتريها الكثير من الاخفاقات والمعوقات، وبغية زيادة الائتمان والتمويل الاجمالي من المصارف وتفعيل مساهمتها في أوجه الاستثمار المختلفة والاعمار ودفع مسيرة التنمية وتحريك الدورة الإقتصادية في العراق، نرى كخطوة أساسية جادة إعادة النظر بسياسة الاقراض والتمويل المصرفي وتفعيل تعظيم تمويل المشاريع الخاصة الصغيرة والمتوسطة كهدف اجتماعي وإقتصادي ذي أولوية خاصة ومستعجلة وأن يكون للبنك المركزي العراقي دور إشرافي ورقابي فعال.

تعديل التشريعات الإقتصادية في العراق والتي تنظم العمل الإقتصادي والمصرفي من أجل النهوض بالواقع الإقتصادي والمصرفي وبشكل خاص قانون البنك المركزي رقم (56) لسنة 2004 وقانون المصارف رقم (94) لسنة 2004 وقانون تسجيل الشركات رقم 21 لسنة 1997 وقانون سوق العراق للأوراق المالية رقم 74 لسنة 2004 وقانون الاستثمار (رقم 13) لسنة 2006 وتفعيل قانون غسل الأموال.

إصدار قانون الشركات الصغيرة والمتوسطة الحجم والصغرى للمساعدة وخلق فرص عمل جديدة ولتقليل الفقر والعوز والمساهمة في خطط التنمية الإقتصادية والاجتماعية والتقليل من نسبة البطالة العالية التي تجاوزت 28% وإصدار قانون ضمان الودائع وقانون ضمان الائتمانات والقروض وتأسيس الشركات المعنية بذلك.

تفعيل دور البنوك الحكومية والمصارف المتخصصة والمصارف الأهلية لتوفير القروض الميسرة للقطاع الخاص الوطني وكذلك إيجاد حلول لمشاكل الضرائب والفوائد المتراكمة التي ترتبت على أصحاب المشاريع المتوقفة عن الإنتاج.

إعادة النظر بالتعليمات واللوائح التنفيذية والإرشادية الخاصة بتطبيقات السياسة النقدية ووضع نظام رقابي استباقي دقيق لمتابعة التنفيذ وبشكل خاص ما يخص التحويل الخارجي ونافذة العملة التي يشرف عليها البنك المركزي العراقي ووضع آليات جديدة في ما يتعلق بالتحويل الخارجي والاعتمادات المستندية، وهنا نقترح تأسيس مصرف للتجارة الخارجية يتولى مهمة تنفيذ المنهاج الاستيرادي للقطاع الخاص الذي يجب أن تعده وزارة التجارة في ضوء تقديرات الحاجة الاستهلاكية.

تأمين المتطلبات القانونية والفنية لإجراء توأمة واسعة النطاق بين المصارف الحكومية والمصارف الخاصة من جهة وبين المصارف العالمية من جهة أخرى بهدف تطوير نظام المدفوعات المصرفي وتحديثه وتنظيم عمليات التداول المالي والنقدي فيها وفق أحدث النظم المصرفية الإلكترونية الحديثة المطبقة في دول العالم.

مراجعة وتقييم وإعادة تصنيف المصارف وفق معايير كفاءة الأداء والنشاط باعتماد المعايير الدولية المعتمدة على أن تقوم بعملية المراجعة والتقييم مؤسسات محاسبية حيادية دولية معتمدة وتحت إشراف البنك المركزي العراقي.

وقيام البنك المركزي بإعداد دراسة تحليلية لمراجعة واقع المصارف في ضوء نتائج أعمالها لعام 2015 ولغاية 31/12/2016 واتخاذ القرارات الحاسمة بهيكلتها وبدمج المصارف الصغيرة الحجم وضعيفة النشاط مع المصارف الكبيرة والرصينة بهدف تطوير وتنمية القطاع المصرفي الخاص.

على أن يكون الاندماج المصرفي محدداً بأسس ووسائل لمعالجة المشاكل ومعوقات العمل لدى القطاع المصرفي والإنتقال به من دور الصيرفة إلى الدور التنموي.

 


مشاهدات 2920
أضيف 2017/07/19 - 10:39 AM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 8756 الشهر 65535 الكلي 7990871
الوقت الآن
الجمعة 2024/4/26 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير