كيف انتقلت الصين من "النسخ" إلى التصنيع الإبداعي؟

الاقتصاد نيوز ـ بغداد:
"عندما نسمع أن منتجا ما قد صنع في الصين؛ نميل للاعتقاد بأن جودة هذا المنتج منخفضة، أو أنه تقليد لمنتج أصلي جرى تصنيعه في أوروبا؛ لكن الصين تمكنت في غضون بضع سنوات من الانتقال من التقليد إلى التجديد والابتكار، ودخول سوق التصنيع والاختراع العالمي بقوة، فكيف تم هذا الأمر؟ نستعرضها في الترجمة للتقرير التالي"
 يستخدم أغلبنا منتجات صنّعت في الصين كل يوم، واعيا بنفوذها الاقتصادي المتزايد بما أنّها مصنع للعالم بأسره. لكن الصين تنوي أن تصبح بلدا متطورا بحلول منتصف القرن الحالي، وهذا الطموح يترافق مع تركيزها المكثف على الابتكار.
في غضون عقود قليلة، انتقلت الشركات الصينية من المقلدين إلى المبتكرين المبدعين والمؤثرين. كجزء من بحثي مع زميلي جورج يب حول هذه المسألة، كنا قد توصلنا إلى ثلاثة أطوار رئيسة مر بها النمو الصيني: أولا، الانتقال من النسخ إلى ملاءمة الجودة، ثانيا، الانتقال من الاتباع إلى المعايير العالمية، ثالثا، الانتقال من البحث عن موارد جديدة إلى البحث عن معرفة جديدة.
تشكّل الشركات الصينية اليوم تحديا للشركات متعددة الجنسيات، بقرارها دخول أسواق الدول المتطورة وتأسيس فروع محلية فيها. فمنذ عهد الزعيم الصينيّ السابق "دينج شياو بينج" الذي نفّذ إصلاحات اقتصادية للأسواق في الصين ما بين عامي 1979-1980، والقوى المحرّكة لهذا التحوّل اثنتان، هما المستهلك والثقافة. لقد كان لدى المستهلك الصيني طلب متسارع ونهم للمنتجات، في سعي لدى الشريحة الأكبر، والمتنوعة من السكّان لحياة أفضل. وقد دفع هذا الأمر بالعديد من الشركات إلى تطوير منتجات بأسعار معقولة لتحقيق تلك الحاجات. فضلا عن ثقافة ريادة الأعمال السائدة في قطاع الأعمال التجارية التي أرست قواعدها الحكومة الصينية بقيادتها القوية للاستقلال والنماء الاقتصادي.
 لقد رعت الحكومة الصينية نظاما إيكولوجيّا للإبداع في أرجاء البلاد، قوامه مئة متنزّه علمي وتكنولوجي، وجامعات ومؤسسات بحثية حكومية، وفرت الدعم للمشاريع الجديدة. لقد استثمرت الحكومة الصينية وأعمالها التجارية قرابة 190 مليار دولار أمريكي في البحث والتطوير عام 2013، وهو ما يساوي 40% من مقدار ما تنفقه الولايات المتحدة في الاستثمار في مجالات البحث والتطوير سنويا.
 وهذا الإنفاق على مجالات البحث والتطوير يمثل ما نسبته 2% من الناتج المحلي الإجمالي، الذي يتجاوز الناتج المحلي الإجمالي لمنطقة غرب أوروبا بحصّة واحدة، وقد امتزجت أولوية الحكومة المتمثلة بالتطور التكنولوجي بالروح و التوجه الرياديين لدى روّاد الأعمال الصينيين.
في المرحلة الأولى من التطور الصيني، بدأت الشركات الصينية بنسخ منتجات وعمليات إنتاج عن الشركات الغربية، أو إنتاج قطع لسلاسل التوريد التابعة للشركات متعددة الجنسيات. وقد أُرغم المزود الصيني على ملاقاة معايير الجودة العالية باليد العاملة الرخيصة من قبل الشركاء التجاريين.
وبينما كان طلب المستهلكين المحليّين على المنتجات الرخيصة، تمكن المنتجون الصينيون على الفور من تطوير منتجات "جيدة بما يكفي"، موفقين ما بين  ملاءمة الجودة والتكلفة الرخيصة. على سبيل المثال، ابتكر مشروع مغامر "إجاصة أبل"، وهو قطعة يستطيع الزبون دمجها بجهاز آي باد جاعلا منه هاتفا نقالا، شيئا شبيها بجهاز آيفون.
على النقيض من درجة التنافسية المنخفضة في القطاع المملوك لصالح الدولة، كانت الشركات الخاصة تعمل في قطاعات ذات تنافسية أعلى. إن الفهم الأفضل الذي امتلكته الشركات الخاصة للزبون المحلي قد مكنها مع مرور الوقت من التنافس بصورة مؤثرة مع الشركات متعددة الجنسيات في السوق الصيني.
على الرغم من افتقار الشركات المحلية إلى قدرات البحث والتطوير التي امتازت بها الشركات الأجنبية؛ إلا أن النظام الإيكولوجي والشبكة التكنولوجية المكثفة اللذين أرست قواعدهما الحكومة الصينية لرعاية الابتكار والإبداع كانا مؤثّرين في هذا الجانب.
الخبرة التي اكتسبتها هذه الشركات في إشباع طلب الزبون المحلي والتعامل مع المنافسة المحتدمة، كانت عاملا مهما لتكون الشركات الصينية  قادرة على تنويع الأسواق والمزيد من المنتجات المتطورة.
 وأحد أبرز الأمثلة على هذا شركة جويونغ (Joyoung)، وهي شركة أجهزة كهربائية منزلية محلية، بدأت مشوارها بابتكار جهاز استخراج حليب الصويا، والذي نسخته لاحقا العديد من الشركات -بما فيها شركات أجنبية-. لقد بدأت الشركة نجاحها بجهاز حليب الصويا لتصبح لاحقا مصنّعا كبيرا لأجهزة الكهرباء المنزلية الصغيرة.
إن هذه الخبرة التنافسية في الأسواق ذات النمو السريع في الصين قد مكنت الشركات الصينية من العبور إلى الطور الثاني من هذا التطور.
في هذا الطور، وضعت الشركات الصينية نصب عينيها ملاقاة المعايير العالمية، بالتحديد معايير تلك الشركات التي تنشط في أسواق التصدير، كشركة الأجهزة المنزلية هاير(Haier).
لقد ركزت شركة هاير من البداية على الابتكار وهي اليوم من أكبر الشركات؛ وفقا لعائدات البيع في قطاع الأجهزة المنزلية. والابتكار الأسطوري الذي عرفت به الشركة كان غسالة ملابس تغسل الخضار والثياب في آن معا، وهو ابتكار جاء استجابة لحاجات المزارعين.
لقد وصلت العديد من الشركات الصينية الآن إلى معايير الجودة العالمية. ومع ذلك، قلة من هذه الشركات لها علامة تجارية قوية بما يكفي لتلحظ خارج الصين. وهذا أحد الأسباب التي دعت إلى الطور الثالث من التطوير.
بمراكمة القدرات التي طوّرتها في الأسواق الداخلية، والمال الناجم عن النجاح الذي حققته محليا، بدأت الأعمال التجارية الصينية بالانتقال إلى خارج الصين. على العكس من التوسع الأول الذي تضمن استثمار الشركات الصينية في الخارج في البترول وموارد طبيعية أخرى؛ فإن هذا الطور الثالث يتعلق بدرجة أكبر بالانتفاع من الابتكار الذي تطور في الصين وتطبيقه على المستهلك والأسواق الصناعية في الغرب.
تسعى الأعمال التجارية الصينية خلف العلامات التجارية، والتكنولوجيات والأسواق التي ربما كانت مفقودة من ملفّاتها المحلية. إن دخولها للأسواق الأجنبية يتم عادة من خلال الاستحواذ، وقد كانت الشركات الأوروبية -بالأخص تلك الألمانية المتوسطة- أهدافا معتادة.
بينما شيدت شركات أخرى مراكز للبحث والتطوير في الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا، بالتحديد في أماكن تعرف بوصفها مراكز للابتكار والإبداع مثل وادي السيليكون في كاليفورنيا. وأحد الأمثلة الجيدة على هذا الأمر مصنّع الأجهزة الذكية ومعدّات الاتصال هواوي (Huawei).
على مدى العديد من سنوات التوسع العالمي، طوّرت هواوي شبكة عالمية تتألف من 16 معهدا للبحث والتطوير بالإضافة إلى 36 مركزا للإبداع للعميل المشترك. فضلا عن أن شركة هواوي وشركة الاتصالات الصينية الكبرى الأخرى زي تي إي (ZTE) في تواجد مستمر على لائحة أفضل 10 مسجّلي براءات اختراع كل سنة  والتي يصدرها النظام العالمي لتسجيل براءات الاختراع (PCT).
لقد تبنت الشركات الصينية أيضا عددا من الممارسات الإدارية التي يقل شيوعها في الغرب. وقد توصلنا في هذا البحث إلى عشر منها، والتي يمكن القول إنها تتراوح ما بين الفهم العميق للعملاء وسرعة اتخاذ القرار، والتصنيع السريع للنماذج الأولية، والتعلم من الأخطاء والنية لنشر موارد واسعة للابتكار. وإن لم تكن هذه ممارسات جديدة في ذاتها، إلا أنها مصدر أفضلية تنافسية في البيئة الصينية، في الوقت الذي قلّما لجأت فيه الشركات الأجنبية إليها.
إن أمام الشركات الأجنبية الكثير لكي تتعلمه من الصين، بما أنها تصبح بمرور الوقت سوقا يقود العالم. في وسع الغرب التطور باستخدام القدرات الصينية التي أهملها، بما فيها الجرأة على التجربة، والتنفيذ السريع، وخلق تصنيفات جديدة للمنتجات، والتركيز على "قيمة العجاف"  وتطوير الفرق المختلطة وقادة العالم.
إن ثمة موجة مد وجزر من المنافسة تقارب العالم المتطوّر من الصين. والطريقة المثلى لكي يحضّر أصحاب الشركات متعددة الجنسيات أنفسهم لهذا الأمر هي في الانخراط المباشر في النظام الصيني البيئوي للإبداع.
 


مشاهدات 1963
أضيف 2017/04/22 - 3:46 PM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 15201 الشهر 65535 الكلي 7640457
الوقت الآن
الخميس 2024/3/28 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير