الصندوق الاجتماعي للتنمية.. تجربة تنموية برؤية استثمارية

الاقتصاد نيوز/ بغداد...



عبدالزهرة محمد الهنداوي

تجربة تنموية جديدة يخوض العراق غمارها في اطار السعي نحو تحقيق تنمية مستدامة تسهم في سياسات مكافحة الفقر والقضاء على الجوع تماشيا مع التوجهات العالمية الجديدة والقائمة على اساس محاربة الفقر ، وان الفقراء اولا في خطط التنمية التي يجب ان لاتستثني احدا من خلال الشراكة والمشاركة التنموية.
تتمثل التجربة العراقية الجديدة باستحداث هيكل تنموي يسمى الصندوق الاجتماعي للتنمية ، تتمحور مهامه في دعم مشاريع تخفيف الفقر واتاحة الخدمات الاساسية للفقراء في مجال الصحة والسكن والتعليم والنقل والزراعة والري والتشغيل ودعم شبكة الحماية الاجتماعية،   من خلال تبنيه تمويل المشاريع التي توفر الخدمات الاساسية في اطار ستراتيجيات التخفيف من الفقر وفي مقدمتها الستراتيجية الثانية التي من المزمع اطلاقها في العام 2017 لغاية 2021. 
تبدو فكرة الصندوق جديدة وربما غير مفهومة من قبل البعض لان تجربة العراق مع هذا النوع من الصناديق ليست طويلة ، اذ سبق ان جرى تأسيس صندوق الاسكان العراقي عام 2011 الذي يعنى بمنح القروض للمواطنين الراغبين بشراء او بناء وحدات سكنية ، ومع استمرار تفاقم ازمة السكن في البلاد بعد ان وصلت الحاجة إلى اكثر من 3 ملايين و500 الف وحدة سكنية لغاية عام 2015 وهي في تزايد ، لم يكن للصندوق دور كبير في معالجة هذه الازمة الحادة لاسباب تتعلق بالتمويل والاجراءات .
اما التجربة الثانية، التي مازالت في بواكير عملها ، فهي تجربة صندوق اعادة الاعمار والاستقرار للمناطق المتضررة بفعل العمليات الارهابية الذي تأسس عام 2015، وهو يواجه تحديات كبيرة تتمثل بالحجم الهائل للاضرار الناجمة عن الاعمال الارهابية منذ العام 2004 لغاية تحرير كامل الاراضي العراقية من براثن الارهاب ، فبعض المناطق التي احتلها "داعش" اصبحت شبه مدمرة مايعني الحاجة إلى اموال طائلة تضاف إلى حجم الاضرار التي لحقت بالبنى التحتية والمقدرة بـاكثر من 42 ترليون دينار ، وهنا يبرز التحدي الثاني الذي يقف امام هذا الصندوق وهو ندرة او قلة الاموال في ظل الازمة المالية التي يواجهها البلد وبالتالي فان التعويل يبقى على الدعم الدولي للعراق من خلال المنح والقروض والمساعدات التي ربما ستمكن الصندوق من اداء جانب من مهامه لاسيما نحن نتحدث عن ضرورة العمل على تنفيذ مشاريع ستراتيجية تسهم في توفير بيئة تنموية ايجابية وبالتالي فإن هذا الامر يدخل في سياسات محاربة الارهاب اقتصادياً .
ان الحديث عن الصندوق الاجتماعي للتنمية ،وان تشابه في بعض مفاصله مع الصندوقين المذكورين انفا ، فيمكن القول : ان هذه التجربة قد تكون مختلفة إلى حد ما في تفاصيل اخرى اجدها مهمة وتسهم في ان تكون للصندوق مكانة تمكنه فعلا من دعم مشاريع تخفيف الفقر ، فمن المؤكد ان ارتباطه المباشر برأس السلطة التنفيذية المتمثلة برئيس الوزراء سيعطيه زخما قويا ، فيما يتعلق بتنفيذ السياسات التي تقر من قبل مجلس الادارة الذي يضم وزراء يمثلون قطاعات التنمية الاساسية ومعنى هذا ان الصندوق ستكون له قدرة في رسم سياساته واتخاذ القرارات بشأن القضايا التي تطرح امامه.
ومن المميزات التي سيكون لها اثر في اداء صندوق التنمية الاجتماعي هي وجود شركاء فاعلين على مستوى الوطن ممثلين بمنظمات المجتمع المدني والقطاع الخاص فضلا عن الحكومات المحلية في المحافظات ، اضافة إلى خبراء في مجالات مختلفة ، ومثل هذا التنوع في تشكيل مجلس الادارة سيثمر عن نتائج مهمة جدا . 
وربما ستبرز امام الصندوق الاجتماعي للتنمية مشكلة تتعلق بالتمويل ، ولكن من المؤمل ان يكون للدعم الدولي دور في توفير التمويل حتى وان كان محدوداً، على الاقل في المراحل الاولى ، لعمل الصندوق ريثما يتمكن من الوقوف على قدميه بعد ان يتم تدوير الاموال من خلال عمليات الاستثمار.
وبحسب المعلومات والبيانات التي صدرت فقد ابدى البنك الدولي استعداده لدعم الصندوق بالخبرات الدولية وكذلك امكانية تمويل بعض المشاريع التي يقرها الصندوق بعد ان يبدأ بممارسة فعالياته  بمبلغ 50 مليون دولار خلال الثلاث سنوات الاولى من عمله  وفي هذه المرحلة سيتم التركيز على ثلاث محافظات جرى اختيارها لاسباب منطقية وهي محافظة المثنى في الجنوب العراقي التي تعد اعلى المحافظات في معدلات الفقر اذ تصل النسبة فيها إلى اكثر من 50 بالمئة وهذه المحافظة تواجه مشاكل تنموية واجتماعية كثيرة بسبب ارتفاع معدلات الفقر فيها ، اما المحافظة الثانية فهي محافظة صلاح الدين لكونها من المحافظات التي حررت بالكامل وعاد ابناؤها النازحون اليها وبالتالي فهي بحاجة إلى دعم مناسب لتمكينها من اعادة البناء التنموي لواقعها الاقتصادي والاجتماعي ، فيما تم اختيار محافظة دهوك ضمن اقليم كردستان لكونها المحافظة التي استقبلت اكبر موجات النازحين خلال الفترة الماضية الامر الذي تسبب في تراجع مستوى الخدمات وزيادة نسبة الفقر فيها .
وهنا ونحن نتحدث عن هذه التجربة التي نعتقد انها مهمة ومن الضروري  دعمها من قبل جميع الفعاليات السياسية والاقتصادية والاجتماعية ، كما ينبغي ان يكون للإعلام لاسيما الاعلام الاقتصادي دور واضح في الترويج لهذا المشروع ، وفي المقابل مطلوب من المعنيين او القائمين على المشروع ايلاء الجانب الاعلامي اهتماما خاصا من خلال وجود وحدة متخصصة بهذا المجال ضمن الهيكل التنظيمي للصندوق .. وارى ايضا كما يرى غيري ان النجاح لن يتحقق بتوفر الدعم المالي والمعنوي حسب ،انما يمكن ان يتحقق النجاح  عندما تتبنى ادارة الصندوق سياسات واضحة تركز  على مشاريع البنى التحتية  التي توفر فرص عمل كثيرة وبالتالي تسهم في استقطاب الايدي العاملة وخفض مستويات البطالة  التي تشهد تزايدا في معدلاتها .
ولكن ، يبقى السؤال : متى سيبدأ هذا الصندوق عمله بصورة فعلية في ارض الواقع ، ومازالت امامه خطوات واجراءات يتطلب انجازها ، تتعلق تلك الاجراءات باقرار قانونه الخاص ابتداء من اعداد المسودة النهائية مرورا بعرضها على مجلس شورى الدولة ومجلس الوزراء ثم يذهب إلى مجلس النواب لاقراره بصيغته النهائية ، كما ان الامر يتطلب وضع هيكل تنظيمي واضح واختيار الادارة التي ستتولى اعداد الانظمة والتعليمات على ضوء القانون .. وبالتالي فنحن امام مدة زمنية قد لاتكون قصيرة ، فهل معنى هذا ان التجربة لن تنطلق عمليا الا بعد الانتهاء من كل هذه الاجراءات ؟.
برأيي من الافضل – وهذا مارشح من معلومات - ان ينطلق الصندوق في اعماله من خلال ارتباطه مؤقتا باحدى الوزارات ولتكن وزارة التخطيط لكونها المعنية بسياسات التخفيف من الفقر ، كما ان فكرة انشاء الصندوق انطلقت من هذه الوزارة ولذلك فهي تمتلك الرؤية لادارة مهام هذا المشروع لحين انجاز مراحل العمل ، ويمكن عد هذه المرحلة بمثابة نواة للتأسيس يتم البناء عليها لاحقا .ويتضح مما تقدم ان تجربة الصندوق الاجتماعي للتنمية وان كانت جديدة ولكن يبدو انها تجربة مثيرة ويمكن ان تحمل معها حلا لجانب من المشاكل التي يواجهها فقراء العراق .


مشاهدات 1550
أضيف 2017/04/09 - 12:34 PM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 2403 الشهر 65535 الكلي 7877312
الوقت الآن
الجمعة 2024/4/19 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير