وكالة الإقتصاد نيوز

أسعار النفط والسلع الأساسية: قصة الأمس تعود اليوم
د. مهند طالب الحمدي أستاذ الاقتصاد في جامعة ولاية كنساس الأمريكية


أصبحت الأسعار كما كانت عليه قبل 160 سنة، ولاطائل من محاولة البحث عن نمط بعيد المدى.

التنبوء بأسعار السلع ليست لعبة مربحة. تمت السخرية كثيراً من إقتراح العديد من الاقتصاديين منذ عام 1999 عندما  تم تداول فكرة إنه في عالم "غارق في النفط"، قد يصبح سعر البرميل من تلك المادة أقل من 5 دولارات. كان ذلك قبل أن يرتفع سعر النفط من 10 دولارات إلى ذروة ما يقرب من 150 دولاراً على مدى عقد من الزمن بعد ذلك التاريخ. ولكن في شهر نيسان الماضي، تم إغراق أسواق العالم مرة أخرى وانخفض سعر النفط إلى أعماقٍ غير مسبوقة. في يوم 20 نيسان، أصبح سعر برميل نفط غرب تكساس الوسيط للتسليم في شهر آيار، سعراً سالباً، مما يعني أن على البائعين دفع مبلغ للمشترين مقابل شرائهم برميل من النفط. في يوم 27 نيسان، تراجعت أسعار نفط تسليم شهر حزيران أيضاً بأكثر من الربع، على الرغم من أنها بقيت فوق الصفر، بما يزيد قليلاً عن 12 دولاراً للبرميل. ترك الخلاف بين روسيا والمملكة العربية السعودية، وانخفاض الطلب على النفط بسبب عمليات الإغلاق بسبب إنتشار فايروس كورونا، الأسواق مغمورة بفائض الإنتاج. يتساءل المحللون مرة أخرى، كما كان الحال في عام 1999، عما إذا كان على العالم أن يعتاد على أسعار منخفضة بشكلٍ دائم ليس فقط بالنسبة للنفط ولكن للسلع الأساسية الأخرى أيضاً.

يمكن تصنيف الاقتصاديون في فئتين كبيرتين حول نظرتهم للإتجاه بعيد الأجل لأسعار السلع الأساسية. في أواخر الأربعينيات من القرن العشرين، افترض عالمان اقتصاديان في مسائل التنمية، وهما السيد راؤول بريبيش والسيد هانز سينغر، أن أسعار المواد الخام ستنخفض بالمقارنة مع أسعار السلع المصنعة بمرور الوقت.

وحاججا بأن ذلك سيحدث لأنه، مع ارتفاع الدخول العالمية، سيرتفع الطلب على السلع المعقدة بشكلٍ أسرع من الطلب على السلع الأساسية مثل النفط أو الغذاء. عندما يصبح الناس أكثر ثراء، على سبيل المثال، يشترون سيارات ذات مواصفات أكثر فخامة، بدلاً من تلك التي تستخدم المزيد من خام الحديد.

ألهم هذا التفسير الحجج القائلة بأن الرأسمالية ستوسع حتماً الفجوة بين البلدان الغنية والفقيرة. ستصبح الأماكن التي يتم فيها تصنيع السلع المختلفة أكثر ثراءً مقارنةً بتلك التي تنتج المواد الأولية. بدا أن انخفاض أسعار السلع الأساسية بعد الحرب العالمية الثانية، ثم مرة أخرى في الثمانينيات والتسعينيات من القرن الماضي، قد منح مصداقية لهذه النظرية.

لكن مع ازدهار سوق السلع الأساسية في العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، أدى الطلب المتزايد من قبل اقتصادات الأسواق الناشئة سريعة النمو مثل الصين إلى ارتفاع أسعار السلع الأساسية. تصاعد الإنتقاد لنظرية بريبيش وسنجر. وأشار خبراء اقتصاديون آخرون إلى أنهما قد تجاهلا دور التغيير التكنولوجي في خفض الأسعار أو زيادة جودة السلع المصنعة. قد يكلف جهاز الكمبيوتر اليوم نفس تكلفة جهاز تم إنتاجه قبل 20 عاماً. لكن كمية المعلومات التي يمكن معالجتها والبيانات التي يمكن تخزينها قد زادت مئات المرات، إن لم يكن اآلاف المرات. يُعّد الهاتف الذكي العادي اليوم أقوى بكثير من كمبيوتر شخصي تم بيعه في عام 1995، لكنه لا يكلف سوى ربع السعر حتى من حيث القيمة الاسمية. على أي حال، لم يعد صحيحاً دائماً أن الدول الغنية تقوم بالتصنيع أكثر من الدول الفقيرة، بسبب تزايد عمليات الإنتاج الصناعي في الدول الفقيرة من قبل الشركات المتعددة الجنسيات في العقود الأخيرة.

هنا يأتي السؤال المهم: ما الذي يستقصيه أتباع ونقاد نظرية بريبيش وسنجر من إنهيار أسعار النفط؟ لا يمكن لأي منهما أن يتخذ من هذا الأمر دليلا. في تاريخ أسعار النفط، نرى أنه من السهل بكثير النظر إلى التقلبات قصيرة المدى بعد أحداث درامية مما هو عليه لو أردنا تحديد اتجاه بعيد المدى. في الواقع، لو نظرنا إلى شكلٍ بياني لأسعار النفط بالدولار المعدل حسب التضخم على مدى السنوات الـ 160 الماضية أو نحو ذلك، فإن الميزة الأكثر لفتاً للنظر هي عدم وجود أي نمط أو اتجاه واضح. على الرغم من إننا سنجد ارتفاعات واضحة في الأسعار في ستينيات القرن التاسع عشر بسبب الحرب الأهلية الأمريكية، في سبعينيات القرن الماضي بسبب صدمة النفط، ومرة أخرى خلال طفرة أسعار السلع الأساسية في العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، فإن سعر برميل النفط الخام اليوم بالقيمة الحقيقية يتراوح حول المستوى نفسه الذي كان عليه مابين سبعينيات القرن التاسع عشر وسبعينيات القرن العشرين.

يميز الافتقار المماثل للنمط مؤشر أسعار السلع الأساسية الذي تصدره مجلة الإيكونومست البريطانية، والذي ربما يكون أقدم مؤشر يتتبع أسعار السلع الأساسية في العالم والذي يتم تحديثه بانتظام. يشمل المؤشر، الذي يسجل الأسعار منذ منتصف القرن التاسع عشر، مجموعة واسعة من السلع، مثل المواد الغذائية والمواد الخام الصناعية، لكنه يستبعد أسعار الطاقة. شهد المؤشر بالطبع ارتفاعات وانخفاضات مذهلة. لكن في الأسبوع الماضي، إستقر المؤشر بالقيمة الحقيقية بالمستوى نفسه الذي كان عليه في بداية كانون الثاني عام 1860، عندما تم تسجيل أول قراءة منتظمة فيه.

* استاذ الاقتصاد في جامعة ولاية كنساس الأمريكية.


مشاهدات 1152
أضيف 2020/05/11 - 10:42 AM
تحديث 2024/03/29 - 7:34 AM

طباعة
www.Economy-News.Net