التحديات أمام السعودية: ليست مجرد جائحة مرضية ومشاكل اقتصادية، بل جيوسياسية
د. مهند طالب الحمدي أستاذ الاقتصاد في جامعة ولاية كنساس الأمريكية


 

قد تكون محاربة إنتشار فايروس كورونا والتعامل مع التداعيات الاقتصادية للوباء من أكثر التحديات المباشرة التي يواجهها ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان. وعلى القدر نفسه من الأهمية يأتي إصلاح العلاقات المتوترة مع الولايات المتحدة وضمان القدرة التنافسية للمملكة بالمقارنة مع إيران حيث يتنافس الخصمان من أجل صداقة الصين.

 

قد يشعر ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان بأن إنتشار الوباء العالمي وتداعياته الاقتصادية هي أكثر مشاكله إلحاحاً، حيث ترفع المملكة تدريجياً القيود التي وضعت لمنع انتشار فايروس كورونا. ومع ذلك، فإن ما يلوح في الأفق هو خلافٌ محتمل مع الولايات المتحدة نتيجة حرب أسعار النفط بين المملكة العربية السعودية وروسيا التي ساهمت في انهيار أسواق النفط والأزمة الوجودية لصناعة النفط الصخري الأمريكي.

 

هناك إعتقاد أن الرئيس الأمريكي دونالد ترمب يفكر في فرض حظر على استيراد النفط السعودي في محاولة لإجبار المملكة العربية السعودية على إعادة وجهة ناقلات نفط تحمل نحو 40 مليون برميل من الخام متوجهة إلى الولايات المتحدة إلى مكان آخر.

 

الأهم من ذلك، جعل الأمير محمد بن سلمان علاقة المملكة العربية السعودية مع الولايات المتحدة عرضة للخطر دون أن يكون للمملكة أي خيارات بديلة حقيقية في الوقت الذي لم يحقق فيه الاتفاق بين منتجي النفط لخفض الإنتاج، في أحسن الأحوال، سوى هدنة مؤقتة في حرب أسعار تدور حول حصص المنتجين في السوق .

 

أدت حرب أسعار النفط إلى مزيد من التوتر في علاقات المملكة العربية السعودية بالكونغرس الأمريكي، والتي كانت مضطربة أساساً بسبب الحرب في اليمن، وسجل المملكة غير الواضح في مجال حقوق الإنسان، ومقتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي الغامض في قنصلية المملكة في إسطنبول.

 

ربما كانت الإصلاحات القضائية في المملكة العربية السعودية التي تم الإعلان عنها في الإسبوع الماضي، بما في ذلك إلغاء الجلد كعقوبة قانونية وإلغاء عقوبة إعدام القاصرين ممن ارتكبوا جرائم تستحق القصاص، محاولة للإستجابة للإنتقادات ولكن من غير المرجح أن توقفها. حذر السيناتور كفن كريمر من ولاية داكوتا الشمالية، والذي يمثل ولايات إنتاج النفط الصخري في الولايات المتحدة، من أن "الخطوات التالية للمملكة العربية السعودية ستحدد ما إذا كانت شراكتنا الاستراتيجية قابلة للإنقاذ". قد يكون إنقاذ العلاقات السعودية الأمريكية الخيار الوحيد للأمير محمد بن سلمان.

 

من غير المرجح أن يكون الرئيس الروسي فلاديمير بوتين قد تعامل بلطف مع مكالمة هاتفية مع الأمير محمد بن سلمان، ولي العهد السعودي، والتي تضمنت شيئاً من الصراخ والإتهامات المتبادلة، في بداية حرب أسعارالنفط. وفي إشارة واضحة إلى أن تخفيضات الإنتاج هي هدنة مؤقتة في حرب أسعار النفط وليست نهايتها، تواصل المملكة العربية السعودية وروسيا قتالهما في أسواق النفط مع تقويض المملكة لجهود روسيا من خلال تقديم خصومات وعروض خاصة، وفقاً لتحقيق أجرته وكالة رويترز.

 

لم تمنع العلاقات المتوترة البلدين من المضي قدماً باتفاق على بيع القمح الروسي إلى المملكة. أبحرت أول شحنة روسية تبلغ 60 ألف طن إلى المملكة العربية السعودية في وقت سابق من هذا الشهر.

 

بغض النظر عن حالة العلاقات السعودية-الروسية، فإن دعوة روسيا لاستبدال مظلة الدفاع الأمريكية في الخليج بترتيب أمني متعدد الأطراف من شأنه أن يشمل روسيا والولايات المتحدة وكذلك الصين وأوروبا والهند عبارة عن هيكل فارغ من المعنى والقدرة على التطبيق. ليس لدى روسيا الإمكانية ولا الإرادة لتحمل المسؤولية عن أمن الخليج، كما هو حال الآخرين، من ناحية القدرة والرغبة، الذين تراهم روسيا كمشاركين في ترتيب أمني خليجي ذو معنى.

 

علاوة على ذلك، فإن الاقتراح يبقى في طي المجهول طالما أن المملكة العربية السعودية ترفض التعامل مع إيران دون شروط مسبقة. استخدمت المملكة حتى الآن وضعية إنتشار الوباء من أجل تعزيز موقفها ضد إيران، مما جعل الفرص لبناء الجسور من خلال إيماءات حسن النية شيئاً مستبعداً. وبالمثل، ليس لدى الصين رغبة في القيام بدورٍ عسكري رئيسي في الشرق الأوسط على الرغم من أنها أنشأت أول قاعدة عسكرية خارجية لها في جيبوتي وتساهم في عمليات مكافحة القرصنة قبالة سواحل الصومال.

 

الأمر المُقلق بنفس القدر بالنسبة للأمير محمد بن سلمان هو حقيقة أنه ليس هناك يقين واضح من أن الصين ستكون قادرة على الحفاظ على حيادها إذا تطورت التوترات الأمريكية-الإيرانية إلى حربٍ شاملة لو أخذنا بنظر الإعتبار إن إيران قد تكون ذات أهمية استراتيجية أكبر بالنسبة إلى بكين. تمنح جغرافيا إيران وديموغرافيتها، والمستوى التعليمي للسكان في إيران قدماً في منافستها مع المملكة العربية السعودية في الحصول على دعم الصين. وكذلك تعمل حقيقة أن الصين وإيران تنظران إلى بعضهما البعض كدفتي كتاب يطويان قارة آسيا بوجود تاريخ حضاري يعود إلى آلاف السنين.

 

علاوة على ذلك، تلعب إيران دوراً محورياً في الجهود المُتعلقة بمبادرة الحزام والطريق الصينية لربط الصين بأوروبا عن طريق السكك الحديدية التي ستمر من خلال مناطق آسيا الوسطى وإيران وتنهي العملية المكلفة والمستهلكة للوقت المتمثلة في نقل البضائع إلى سفن في موانئ على بحر قزوين ثم تحميلها مرة أخرى على متن قطارات على الشاطئ المقابل من ذلك البحر.

 

تبدو محاولات ولي العهد الأمير محمد بن سلمان لتحقيق التوازن في تأمين مكان المملكة العربية السعودية في عالم علاقات القوى الكبرى المتوترة واضحة من خلال إسلوب تغطية وسائل الإعلام في المملكة، والتي تخضع لسيطرة الحكومة، للجهود الصينية والأمريكية لمكافحة إنتشار وباء كورونا. يشير السيد أندرو ليبر، المتخصص في دراسات صناعة السياسات في المملكة العربية السعودية، إلى أن "سجل الصين المُختلط في تعزيز صورتها في الرياض يذكرنا بأن صراعات القوة الناعمة ليست لعبة صفرية النتيجة. على الرغم من تزايد بث وسائل الإعلام السعودية انتقادات لتعامل الصين مع جائحة كورونا، فإن بعضها يسخر كذلك من جهود الرئيس دونالد ترمب وإدارته في إلقاء اللوم على الصين في ما يتعلق بإنتشار الوباء."

 

يشير تحليل السيد ليبر للتغطية الإعلامية السعودية إلى أن الأمير محمد بن سلمان يسعى إلى إبقاء جميع الأبواب مُشرعة. ومع ذلك، سوف يتطلب الأمر أكثر بكثير من مجرد تغطية إعلامية مُتذبذبة وإصلاح قانون العقوبات في المملكة لتلميع صورة المملكة العربية السعودية التي أصابها شيء من التشوه في الولايات المتحدة وجعل التنافس مع إيران متوازناً عندما يتعلق الأمر بموقف الصين.

 

* أستاذ الاقتصاد في جامعة ولاية كنساس، الولايات المتحدة الأمريكية.


مشاهدات 1575
أضيف 2020/05/05 - 3:03 PM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 4205 الشهر 65535 الكلي 7896636
الوقت الآن
السبت 2024/4/20 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير