وكالة الإقتصاد نيوز

صدمات اسعار النفط في السوق العالمية ( تأريخ يتجدد)


 عبد الحميد عبد الهادي حميد

ان فهم تحديد الاسعار في سوق النفط العالمية من الامور المهمة للدول المصدرة والمستوردة  فضلا عن الاهمية والمنزلة الخاصة للدول الريعية المصدرة للنفط التي تشكل المورد الاساسي لإيرادها . اذ قُدر لسوق النفط العالمية ان يتأثر بمختلف الظروف المحيطة بقوى العرض والطلب والعوامل الاخرى (السياسية ، الاقتصادية ، المناخية ، الامنية ... الخ) مما يجعل هذا السوق غير مستقر في اسعاره على مدار الساعة منذ نشأته وحتى يومنا هذا بل تكاد تكون السمة الغالبة في هذا السوق هو عدم الاستقرار في اسعاره ، ويشهد هذا السوق فضلا عن تقلبات اسعاره صدمات كبيرة وعنيفة من خلال الارتفاع الكبير في الاسعار او التراجع الكبير في الاسعار ، اذ ثم اختلاف كبير بين تقلبات الاسعار الدورية والمستمرة وبين الصدمات التي يشهدها السوق بين مدة واخرى وهي ايضاً غير محددة بعدد سنواتها ، ويمكن تعريف الصدمة بانها النواة الحقيقية لحدوث الازمة معينة تصيب عمل منظومة بصورة فجائية غير متوقعة الحدوث تؤدي الى اختلال التوازن في عمل منظومة ( دول – شركة – سوق ) والتي يمكن ان نعبر عنها بصدمة اسعار النفط في السوق العالمية كنتيجة للتغيرات التي تطرأ على احدى العوامل  المؤثرة في اسعارها والظروف المحيطة في السوق مما يؤثر بصورة مباشرة في اسعارها ( صعوداً و انخفاضاً ) .
وشهدت اسواق النفط العالمية خلال اكثر من نصف قرن (7) صدمات عرفتها السوق النفطية منها ذات ارتفاعات قياسية تأريخية غير مسبوقة ومنها ذات انخفاضات تاريخية غير مسبوقة ايضاً. من خلال الدراسة التاريخية لسوق النفط العالمية تبين ان صدمات اسعار النفط لا تحدث بدون (عامل جديد ومفاجئ يطرأ على العوامل المؤثرة في السوق النفطية) يساعد على الذعر والهلع في الاسعار ارتفاعا وانخفاضا ، فضلا عن فقدان السلعة خصائصها كسلعة مهمة واستراتيجية في حالة الانخفاضات الشديدة في الاسعار . وفي الحقيقة هنالك متلازمات مهمة تهيئ لحدوث الصدمة يمكن ان نطلق عليها (متلازمة الصدمة الثلاثية)  .

 متلازمة الصدمة الثلاثية في سوق النفط العالمية
 
وهذا ما سوف نبينه في الاشارة الى الصدمات التاريخية التي شهدتها اسواق النفط العالية :-
• الصدمة الاولى (1972-1973) كان دور العامل الطارئ متمثلا ببروز دور منظمة الاوبك كاتحاد قوي لمنتجي النفط وبشكل  (كارتل) بعد عقد على تأسيسها من خلال تخفيض الانتاج بنسبة 25% ، فضلا عن تفاعل بقية العوامل المؤثرة الاخرى اذ ارتفعت الاسعار بصورة قياسية بمقدار 70% من 3.11$ الى 5.11$.
• الصدمة الثانية (1979-1980) في هذه الصدمة كان دور العامل الطارئ في تنامى العوامل والاحداث الجيوسياسية وانهاء حكم الشاه ، وهذا ما اكده مدير شركة نفط حكومية ايطالية من خلال مقولته الشهيرة (اصبح النفط سلعة سياسية الان، وانه شيء لا يُترك للأسواق ورجال الاعمال) مما انعكس بدوره على الاسعار في السوق الفورية وارتفعت الاسعار الى 20$ بالمقارنة مع الرسمي المحدد 13.34$.
• الصدمة الثالثة (1985-1986) تمثل عنصر المفاجئة في هذا الصدمة من خلال تنامي دور منظمة الطاقة الدولية بعد صدمتين متتاليتين وتحول في الطلب العالمي وعدم اتفاق اعضاء الاوبك وسميت هذه الصدمة بالصدمة المضادة وحطمت كل قواعد سوق النفط العالمية والاسعار على عتبت 7$ بعد الارتفاعات الكبيرة التي عاشتها السوق في الصدمتين الاولى والثانية .
• الصدمة الرابعة (1997-1998) برز عامل جديد وطارئ على السوق النفطية تمثل بعدم اليقين وعدم القدرة على تحديد كميات النفط المنتجة متمثلة بالتقديرات والتوقعات من قبل منظمة الطاقة الدولية فضلا عن وهم ارتفاع نمو الطلب العالمي والازمة الاسيوية .
• الصدمة الخامسة (2008-2009) شهدت السوق النفطية في هذه الحقبة الزمنية صدمة مزدوجة (ارتفاع وانخفاض) بسبب حدة المضاربات (فقاعة المضاربة) مما ادى الى انهيارات في البنوك والمؤشرات المالية في الولايات المتحدة فضلا عن العوامل الاخرى المؤثرة في السوق النفطية , اذ ارتفعت الاسعار الى 147$ بسبب حدة المضاربات بين المستثمرين ولم تكن حقيقية لتفاعل قوى العرض والطلب .
• الصدمة السادسة (2014-2015) برزت في هذه الصدمة تطورات كبيرة تمثلت بظهور النفط غير التقليدي (الصخري) بعد ارتفاع الاسعار التي ساعدت على تغطية التكاليف الحدية للإنتاج والبحث عن النفط  وتحفيز المنتجين فضلا عن العوامل الاخرى المؤثرة في سوق النفط ،اذ تراجعت الاسعار بمقدار 52%حسب تقارير صندوق النقد الدولي من 96$ الى 49$ .
• الصدمة السابعة (2020 ) ان الصدمة الاخيرة التي شهدتها اسواق النفط العالمية وظهور العامل الطارئ المتمثل ب(فايروس كورونا) وهلع الاسواق والتوقعات التشاؤمية على طلب النفط العالمي وعدم الاتفاق بين منظمة الاوبك و روسيا حول تخفيض الانتاج وحرب الحصص والاسعار ، مما ادى الى تراجع كبير في الاسعار بنسبة 30%كاسوء تراجع يومي منذ عام 1991 .      
من خلال ما طرح يتبين ان السوق النفطية تعيش حالة عدم الاستقرار المستمرة وتشهد بين مدة واخرى صدمات كبيرة في اسعارها ناتجة عن تظافر عوامل اساسية ثلاثة وهي مدى اتفاق الاوبك بين اعضائها والطلب العالمي على النفط وعنصر المفاجئة في كل صدمة ارتفاع وانخفاض وتزداد الصدمات في حدتها كلما تظافرت العناصر الثلاثة في ان واحد او خلال فترة زمنية متقاربة جدا ، فضلا عن صعوبة التكهن بالفترة الزمنية التي تستغرقها الصدمة بسبب تشعب العوامل الاخرى المؤثرة في السوق .
 
 

 


مشاهدات 1382
أضيف 2020/03/16 - 8:37 PM
تحديث 2024/03/29 - 1:59 PM

طباعة
www.Economy-News.Net