ان البنوك المركزية في دول العالم هي مؤسسات مالية وسيادية مستقلة في تنفيذ مهامها وسياساتها النقدية ورسم استراتيجيتها لتحقيق أهدافها في دعم الاقتصاد الوطني وتعزيز الاستقرار الاقتصادي بما يحقق رفاهية المجتمع.
وبعد عام 2003 سار البنك المركزي العراقي وفقا لقانونه 56 لسنة 2004 على خطى البنوك العالمية خصوصا بعد مرور البلد بالأزمة الاقتصادية والمالية وألازمة الآمنية في عام 2014 للأسباب المعروفة.
وكان دوره واضحا في دعم الاقتصاد الوطني وتحقيق الصمود الاقتصادي وبمناسبة بيان السيد رئيس مجلس وزراء الحكومة المستقيلة إلى السيد رئيس الجمهورية والى مجلس النواب واعلانه أنه ذاهب الى الغياب الطوعي وسوف لا يمارس صلاحياته الدستورية والقانونية بسبب الواقع السياسي الذي يمر به البلد الآن وتجاذبات اختيار رئيس مجلس وزراء جديد للحكومة الجديدة المؤقتة بعد اعتذار رئيس مجلس الوزراء المكلف.
ان الذهاب إلى الغياب الطوعي وعدم تشكيل حكومة جديدة يعني أن موازنة 2020 سوف يتأخر إقرارها وان تأثيراتها الاقتصادية ستضر بالاقتصاد الوطني وبالتالي ستضر بالمواطنين ويتوقف الاعمار والاستثمار ويتوقع ان يرتفع العجز المخطط فيها الى حدود أكثر من 50 تريليون دينار مع توقعات هبوط اسعار النفط العالمية الى اقل من 50 دولار للبرميل حتى الربع الثالث لهذا العام بسبب تداعيات فايروس كورونا وتباطؤ النمو في الاقتصاد العالمي وهذا بالتأكيد في حالة استمرار الظروف الاقتصأدية في العراق سيؤدي إلى الركود الاقتصادي ومن ثم الكساد بعد عدة أشهر وعندها سنعود الى المربع الأول وهو المعاناة التي مر بها العراق في عام 2015.
وبالنظر للدور الاساسي الذي قام به البنك المركزي في حينه عندما تصدى للصدمتين الاقتصادية والأمنية ودعم الاقتصاد الوطني وساعده على الصمود بإدارة رشيدة وبسياسات وتطبيقات سليمة للسياسة النقدية بإجراءات وآليات عمل يومية.
اذ اثبتت ادارة البنك المركزي العراقي وفريق عمله وكوادره انهم كان لهم دور بارز في تعزيز الصمود الاقتصادي والسير بخطى ثابتة نحو الاستقرار الاقتصادي من خلال الجهود والاجراءات الحكيمة والرشيدة في تطبيقات السياسة النقدية والسياسات التطويرية للبنك المركزي في المرحلة الاقتصادية الصعبة للعراق واستطاعوا من رسم خارطة طريق واضحة الاهداف والطموحات في تحقيق الاستقرار الاقتصادي وتحفيز النمو الافتصادي من خلال انجازات مهمة حققوها خلال السنوات الخمسة الماضية واهمها المحافظة على التصخم بنسبة لاتزيد على 2% وعلى مستوى جيد من كفاية الاحتياطات الاجنبية ضمن معدلات مقبولة وفقا للمعايير الدولية والمحافظة على استقرار سعر الصرف وتحفيز القطاع المصرفي تنظيميا واشرافيا ورقابيا ومواجهة الأزمة السياسية الحالية وظروف الحراك الشعبي والتأكيد ان القطاع المصرفي العراقي متين وقادر على تحمل الصدمات بالمقارنة مع دول مجاورة مرت بنفس الظروف.
ان المعطيات المتاحة تؤكد أن وضع الاقتصاد العراقي الحرج يحتاج إلى تدخل البنك المركزي لمواجهة الظروف الجديدة وهذا يتطلب من الحكومة الجديدة ان تؤمن باستقلالية البنك المركزي وعدم التدخل في تعيين قيادته وكوادره الفنية والمهنية خلال فترتها المؤقتة ولحين إجراء الانتخابات المبكرة ومجيء مجلس نواب وحكومة جديدة لان الادارة الحالية أثبتت نجاحها في أصعب الظروف وأنقذت الاقتصاد الوطني من الانهيار عندما أعلن وزير المالية في عام 2015 بأن الحكومة سوف لا تستطيع تأمين رواتب الموظفين والمتقاعدين .لان التركيز على استقلالية البنك المركزي وأبعاده عن التجاذبات والمصالح السياسية هو الحل لتجاوز الأزمات الاقتصادية وتحقيق الاستقرار الاقتصادي.
* خبير مصرفي