هل بإمكان المصارف حماية حقوق الإنسان؟

يمكننا أن نجادل الى ما لا نهاية حول ما إذا كان المال يخلق السعادة. لكن مما لا شك فيه أن المال يمنح مالكه القوة. العبرة هي في كيفية استغلال هذه القوة. البعض يجيّرها لمنافع شخصيّة والإضرار بالغير، فيما البعض الآخر يختار أن تكون قوته الماديّة وسيلةً لتحسين المجتمع من حوله. من حيث كمية المال المتوفر لديها، وعلاقاتها السياسية المتشعبة، فإن المصارف قوية... لا بل قوية جداً، وقدرة تأثيرها في العديد من القرارات المحورية، سواء محلياً أو عالمياً، لا يستهان بها. لا بل إنها في كثير من الأحيان في صلب مطبخ صناعة القرارات. من هنا، فإن المصارف بإمكانها، لو أرادت، أن تسهم في ضمان احترام حقوق الانسان والعمل على تحسين الواقع الحياتي والمجتمعي لأعداد لا تحصى من البشر.

التمييز في الإقراض
يشكل الاقتراض أحد الحلول التي يلجأ إليها الأفراد - كما الشركات - لتلبية احتياجاتهم الشخصيّة أو لتوسعة أعمالهم وتطويرها. إلا أنه يمكن أن يحتوي على مخاطر تؤثر على حقوق الانسان في حال تم استخدامه بطريقة اعتباطية من قبل المصارف أو المؤسسات الماليّة. على سبيل المثال، يتأثر العملاء سلباً بما قد يهدد نمط حياتهم واستقرارهم في حال تم منحهم قروضاً لا يقدرون على سدادها على المدى الطويل، ما قد يؤدي إلى تعثرهم. كذلك يمكن أن يخضع قرار الاقراض لخلفيات عرقية ودينية وجندرية، ما ينتج عنه زيادة الشرخ والفروقات الاجتماعيّة. وبما أن الخوارزميات باتت تتحكم إلى حد كبير بقرار منح أو رفض إعطاء قرض، فإن هذه الخوارزميات يمكن أن تكون لديها القدرة في ما إذا كانت تستند إلى داتا معيّنة على إدامة التمييز أو الحد منه.

الإقراض غير المسؤول
على المصارف والمؤسسات الماليّة واجب دراسة ملف العميل أو الشركة قبل منح القرض بما يتخطى مجرد التدقيق بقدرتهم على الإيفاء بالتزاماتهم الماليّة. في هذا السياق، على المصارف أن تدقق في ما إذا كان طالب القرض يحترم حقوق العمّال في مؤسسته، وهل تسبّب ممارسات الشركة ضرراً للبيئة، وغيرها من القضايا التي يمكن أن يكون لها انعكاس على المجتمع ككل. وفي حال تبيّن أن سجل شركة أو عميل ما في هذه المجالات لا يتوافق مع المعايير الانسانية أو البيئية او الاجتماعيّة، يفترض حرمانه من الاقتراض إلى حين التثبت من تغير سلوكياته.

 الفساد
بإمكان المصارف والمؤسسات الماليّة أن تضبط عملية الفساد في الدولة من خلال الحد من وصول المؤسسات العامة أو الأفراد المرتبطين سياسياً بالمسؤولين والحكام إلى المال لتنفيذ المشاريع أو لاحتياجاتهم الخاصة في حال كانت ممارساتهم تنم عن فساد وهدر للمال العام. من هذا المنطلق، بإمكان المصارف أن تحدد معايير معيّنة للشفافية والمساءلة للإقراض يجب على الإدارات العامة ومن هم مرتبطون بها احترامها والتقيد بها، ما ينعكس إيجاباً على المواطنين وسير شؤون الدولة والحوكمة العادلة والجيدة.

على سبيل المثال، في حال رغبة الحكومة في بناء سد مائي، وكانت بحاجة للاقتراض من القطاع المصرفي لتنفيذ المشروع، على المصارف أن تتأكد من أن الحكومة قامت بالدراسات العلميّة اللازمة، وتشاورت مع السكان وضمنت حقهم بالتعويض اللازم في حال اضطرارهم لاخلاء منازلهم. فكما هو معلوم، خصوصاً في البلدان التي تغيب فيها سيادة القانون، تستخدم في الكثير من الأحيان مشاريع البنى التحتية الضخمة لتنفيذ عمليات تهجير جماعي للسكان وإعادة توطينهم في مناطق أخرى بما يضمن تحقيق مخططات عرقية أو دينية معيّنة.

 الخصوصية
على المصارف أن تحترم خصوصية عملائها وبالتالي عدم افشاء بياناتهم الماليّة لطرف ثالث من دون موافقة مسبقة منهم. فاساءة استخدام معلومات العملاء الماليّة وعدم احترام الخصوصية يعدّان انتهاكاً لحقوق الانسان، ما يحتم على المصارف ضمان حماية بيانات عملائها بشكل حازم، وإخضاع موظفيها للتدريب المستمر، وتحديث أنظمة الحماية الإلكترونية لديها خصوصاً في ظل تكاثر الهجمات الإلكترونية من قبل المقرصنين.

 المساواة
بإمكان المصارف والمؤسسات الماليّة، خصوصاً في الدول الناميّة حيث لا تزال تطغى الذكورية بشكل كبير، أن تكون عاملاً فعّالاً في مكافحة التمييز ضد النساء وضمان احترام حقوقهن في العمل والحد من عمليات التحرش الجنسي التي يتعرضن لها والتي تسكت كثيرات منهن عنها لحاجتهن للمال. في هذا الإطار، تستطيع المصارف من خلال سلاح الإقراض أن تتأكد من مدى التزام الشركات التي تسعى للاقتراض منها من احترام حقوق النساء العاملات لديها ومن عدم التمييز في حقهن في ما يتعلق بالرواتب التي يتقاضينها مقارنةً بنظرائهن من الرجال وتحديداً في الوظائف التي تتطلب المؤهلات نفسها.

 التثقيف
الثقافة الماليّة تحمي الإنسان من نفسه ومن الغير. فبدون معرفة ماليّة سليمة، ولو في الحد الأدنى، يكون الإنسان عرضة للوقوع في العديد من الأخطاء التي قد تكون لها إنعكاسات كبيرة عليه وعلى عائلته، إضافة إلى سهولة تعرضه للغش والخداع من قبل أفراد وأطراف قد تستغل محدودية معرفته بالشؤون الماليّة. لنأخذ على سبيل المثال حال مواطن فقير غير ملمّ مالياً، يملك قطعة أرض وتنقصه السيولة النقديّة، فلجأ إلى فرد أو مؤسسة أو مصرف قرروا إقراضه بسوء نيّة مبلغاً يفوق قدرته على السداد مقابل رهن أرضه. في سيناريو كهذا، فإن النقص في المعرفة الماليّة أدى بالرجل إلى اتخاذ خيار خاطئ وقبول القرض بتهور واستعجال ما أدى إلى خسارته لأرضه، وهو ما كان يدركه المقرض مسبقاً.

المصدر: الاخبار


مشاهدات 1810
أضيف 2019/09/25 - 11:49 AM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 4891 الشهر 65535 الكلي 7521783
الوقت الآن
الثلاثاء 2024/3/19 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير