تهذيب الاقتصاد الرقمي

هناك سمات تركيبية عميقة للاقتصاد الرقمي تجعل العديد من الأسواق في شبكة الإنترنت تميل للتركيز على تحقيق أرباح اقتصادية دون أي منفعة للمجتمع، وبالتالي تتمتع بسمعة سيئة في السوق لكن هناك حالياً وسائل سياسية مستترة وخفية لمعالجة هذه التحديات، وتتمثل بوضع نظام ضرائب أفضل، وتشريعات تهدف لتغيير بنية الأسواق المثيرة للمشكلات. ولكن يلي التشريعات البنيوية فرض نهج تنظيمي تكميلي يتمثل بسياسات تهدف لتغيير سلوك الشركات حتى ضمن البنية الحالية للسوق.

والمبدأ الكامن وراء فرض المفوضية الأوروبية غرامة قدرها 2.4 مليار يورو على شركة غوغل للتسوق كان تبريرها هو أن بروكسل أكدت أن غوغل مخطئة باستخدام مزاياها في البحث لعرض خدمة التسوق المقارنة الخاصة بها بصورة أفضل لمستخدمي الإنترنت. وهناك مبدأ يمكن تعميمه على جميع أركان الاقتصاد الرقمي، فحيثما تتحكم إحدى الشركات ببنية الإنترنت التحتية لإجراء عملية مضاهاة أو التعرف على أو التواصل بين البائعين والمشترين، فإنه يتعين أن يتاح وصول جميع الزبائن لهذه البنية. وهذا ما يجعل حيادية الشبكة العنكبوتية في غاية الأهمية.

وثمة حزمة أخرى من السياسات التنظيمية تستهدف ما يسمح أن تفعله شركات الإنترنت الأخرى بالمنتجات والخدمات التي تعرضها. وقد مهد الاتحاد الأوروبي الطريق في تغيير موازين الشركات لصالح المستخدمين من خلال تقنين حقوق الخصوصية. وتم وضع ضوابط على حق إخفاء ماضي الشركات من خلال الكيفية التي توجه بها محركات البحث مستخدمي الإنترنت للوصول إلى المعلومات المتعلقة بالأفراد، وقد أجبرت قوانين حماية البيانات الجديدة الخاصة بالاتحاد الأوروبي شركات التكنولوجيا العملاقة على زيادة الأمن وعملية التحكم بالبيانات الخاصة بالمستخدمين التي يولدونها بأنفسهم. وتختبر سلطات مكافحة الاحتكار الألمانية حالياً سلسلة من بيانات المستخدمين المستخرجة من موقع طرف ثالث على الإنترنت باستخدام زر شبيه بزر الفيسبوك أو زر المشاركة، وهو عنصر أساسي في النموذج التجاري الخاص بشركة الشبكة الاجتماعية تلك.

ويمكننا استخلاص مبدأين واضحين جداً في هذا الإطار، أحدهما يبدو أكثر وضوحاً من الآخر. والمبدأ الأوضح هو فكرة أن مستخدمي الإنترنت خدمات المستهلكين مثل "غوغل إيرث" وشبكة فيسبوك الاجتماعية- هم المسؤولون عن أنشطتهم وأن حقوقهم في المعلومات التي يبتكرونها تستحق حماية قانونية. وأحد التأثيرات الناجمة عن ذلك تتمثل في أن يتمتعوا بحماية قوية للخصوصية والحق في إيقاف مستخدمين معينين في الوصول إليهم أو تجميع بيانات خاصة بهم.

وأخذ هذه الفكرة بعين الاعتبار يشير إلى دور واضح جداً للحكومات، وهو تعريف حقوق ملكية البيانات وحمايتها. وهذا قد يقتضي إيجاد منصة قابلة للتبادل المشترك، مثل تبادل المعلومات الأمنية، والشيء نفسه ينطبق على الشبكات الاجتماعية، كما يشير الخبراء الاقتصاديون الذين يوضحون أن البريد الإلكتروني يعمل على الشاكلة نفسها، لذلك يمكن رؤية المواقع الإلكترونية وأرقام الهواتف بغض النظر عن مزودي الخدمة.

لذلك، فإن منح مستخدمي الإنترنت حقوق ملكية قوية لبياناتهم، وتحميل شركات الإنترنت مسؤولية أقوى في لوغاريتماتهم، تعتبر أشكالاً من التشريعات السلوكية يمكنها بصورة جذرية أن تغير الطريقة التي يمكن استخدام الإنترنت بواسطتها في هذه الأيام، ويمكن أن تعتبر أكثر تحضراً.

(محلل اقتصادي في فايننشال تايمز)

 


مشاهدات 2130
أضيف 2018/03/05 - 11:10 AM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 5562 الشهر 65535 الكلي 7522454
الوقت الآن
الثلاثاء 2024/3/19 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير