مؤتمر الكويت وفرص إعادة الإعمار وتحقيق التنمية في العراق

عبدالزهرة محمد الهنداوي 

ايام قلائل تفصلنا عن المؤتمر المرتقب في دولة الكويت المخصص للتنمية وإعادة الاعمار في العراق .. ويعلق العراقيون لاسيما ابناء المناطق المحررة امالا طيبة على هذا المؤتمر الذي من المؤمل ان تشارك فيه العديد من الدول والمنظمات الدولية ومنظمات المجتمع المدني ونحو 950 شركة ورجال اعمال من مختلف الجنسيات .
وتشير التوقعات ومن خلال المعطيات المستقاة من التصريحات والمواقف السياسية للحكومات والمنظمات إلى ان العراق سيحظى بدعم دولي لا بأس به سيمكن الحكومة من تحقيق اهدافها وبرامجها الرامية إلى اعادة اعمار المحافظات المحررة وتحقيق التنمية المتوازنة في باقي المحافظات . 
في الوقت الذي لا نريد ان نكون متفائلين اكثر مما يجب خشية من احتمال ان تكون النتائج صادمة، اذ ليس من الضرورة ان تتقدم جميع الدول المشاركة بتعهدات مالية سخية تحاكي حاجة العراق من الاموال اللازمة لإعادة الاعمار، فالتجربة السابقة تشير إلى ان بعضا من الدول التي تعهدت للعراق خلال مؤتمر مدريد الذي عقد في شهر تشرين الاول من عام 2003 ، لم تف بالتزاماتها لا سباب كثيرة، لعل من بينها الظروف الامنية والسياسية غير المستقرة في العراق التي بعثرت الجهود الدولية، وقد تكون اليابان في مقدمة الدول التي اوفت بالتزاماتها ازاء العراق من خلال القرض الياباني الميسر الذي استثمر في مجال الكهرباء وتأهيل الموانئ ومشاريع اخرى. وبسبب عدم الالتزام هذا من قبل بعض الدول فقد جاء مؤتمر العهد الدولي الذي عقد في شرم الشيخ بمصر في شهر ايار من عام 2007 وشاركت فيه اكثر من 90 دولة، إضافة إلى المنظمات الدولية، ليدعو تلك الدول إلى تقديم ما تعهدت به للعراق.
ومن تلك التعهدات اطفاء جميع الديون المترتبة بذمة العراق والمستحقة الدفع في اطار اتفاق نادي باريس ، وقد اسهم اطفاء الديون في تمتين الاقتصاد العراقي بعد تلك الفترة لاسيما مع تراجع تأثير الازمة الاقتصادية العالمية وبدء الصعود التدريجي لأسعار النفط بدءاً من عام 2010 لغاية عام 2014 . 
لكننا في نفس الوقت لا ينبغي ان نكون متشائمين اكثر من اللازم ، فلربما يكون المجتمع الدول كريما معنا فنحصل على دعم كبير ومهم جدا في هذه المرحلة الصعبة التي يواجهها العراق . 
وبعيدا عن التفاؤل المفرط او التشاؤم غير المبرر وقريبا من الواقع .. نحاول هنا قراءة النتائج المتوقعة لمؤتمر الكويت للدول المانحة الخاص بإعادة الاعمار وتحقيق التنمية في العراق، فالاستعدادات الكبيرة التي تقوم بها الحكومة الكويتية وحملة العلاقات العامة التي تضطلع بها العديد من الجهات في مقدمتها الحكومة العراقية والبنك الدولي ومنظمات الامم المتحدة فضلا عن الادارة الامريكية وبعض العواصم الاوروبية والخليجية تشير إلى وجود رغبة لدى هذه الجهات من اجل ان يخرج المؤتمر بنتيجة ايجابية ، وان كانت بعض الجهات تسعى للترويج لنفسها عبر مؤتمر الكويت، وبحسب التصريحات التي ادلى بها عدد من السفراء العاملين في بغداد وفي مقدمتهم السفير الامريكي دوغلاس سيليمان الذي كشف عن استعداد اكثر من 100 شركة امريكية للمساهمة في عمليات الاعمار ، جاء بعده السفير البريطاني ليعلن من الموصل ان بلاده مستعدة للمشاركة في اعمار المناطق المحررة ، وهناك السفير الاسترالي وسفير دولة الجيك وسفير الاتحاد الاوروبي، اعلنوا جميعهم استعداد بلادهم لدعم  جهود الحكومة العراقية في تحقيق التنمية المطلوبة .. 
علينا ان لا نعول كثيرا على المساعدات والقروض لأمر يتعلق بحجم الديون العراقية التي شهدت ارتفاعا في معدلاتها خلال السنوات الماضية نتيجة الازمة المالية والحرب ضد الارهاب، ولذلك فان اي ديون او قروض جديدة من شأنها زيادة حجم الدين الخارجي ليصبح مرهقا للاقتصاد الوطني.
ومن هنا يمكن ان نصل إلى الحقيقة الاهم في الواقع العراقي الجديد وهي حقيقة الاستثمار الواعد في جميع المحافظات، وفي هذا السياق تتحدث الحكومة عن وضع ستراتيجية بعيدة المدى لإعادة الاعمار تغطي عشر سنوات للمدة من 2018-2027 ، وهذه الخطة تستهدف تحقيق التنمية في ثلاث مسارات اساسية، الاول تحقيق التنمية البشرية والاجتماعية والخدمية ، والمسار الثاني تحقيق التنمية الاقتصادية من خلال تنفيذ المشاريع الستراتيجية في مختلف القطاعات واستثمار الازمة في احداث تنمية حقيقية، والثالث النهوض بواقع البنى التحتية.
قدرت الكلفة الاجمالية للأعمار بنحو 100 مليار دولار ، ومعنى هذا اننا بحاجة إلى 10 مليارات دولار في كل عام على مدى اعوام الخطة العشرة،  وجميع تلك المسارات والتي لا تقتصر فقط على المناطق والمحافظات المحررة - وان كانت الاولوية لهذه المناطق وبحسب حجم الدمار والضرر الذي لحق بكل منطقة من تلك المناطق – انما  تتسع لكل المحافظات.
من المؤكد ان مثل هذه الاموال في ظل استمرار الازمة المالية وارتفاع معدلات الانفاق الاستهلاكي، لا يمكن توفيرها بالاعتماد على ما يجود به المجتمع الدولي من منح ومساعدات فقط ، بل علينا البحث عن مصادر تمويل اخرى اكثر فعالية وديمومة يمكن من خلالها تحقيق التنمية المستدامة ، ومن هنا تعود بنا خيوط البحث إلى نقطة سابقة اشرنا اليها قبل قليل في ثنايا الحديث ، وهي قضية الاستثمار ، فعندما يعلن السفير الامريكي عن وجود 100 شركة امريكية مستعدة للعمل في العراق ، وعندما يتلهف رجال الاعمال والمستثمرون السعوديون للدخول إلى العراق ، فهذا يؤكد بوضوح ان افاق الاستثمار في العراق ستشهد انطلاقة قوية خلال المرحلة المقبلة ، استثمار يقوم على اساس الشراكة الحقيقية بين القطاعين العام والخاص ، او لنقل استثمار يجري من خلال اشراف الدولة التي تتولى رسم السياسات وإعلان المشاريع والفرص الاستثمارية امام المستثمرين ، واعتقد ان اعلان الهيئة الوطنية للاستثمار عن وجود اكثر من 157 فرصة استثمارية متاحة في عموم العراق سيتم عرضها امام الشركات العالمية في مؤتمر الكويت من بينها مشروع القطار المعلق في العاصمة بغداد ومشروع مدينة الحبانية والرزازة السياحيين ، ومشاريع اخرى في مجالات السكن والنقل والصناعات التحويلية والغاز والزراعة والخدمات وغيرها، ستمثل بداية قوية ، لتحسين البيئة الاستثمارية في البلد.
وليس من المناسب هنا ونحن نتحدث عن المناخ الاستثماري الواعد ان نتجاوز قطاع المصارف ، لاسيما مصارف القطاع الخاص ودورها المنتظر في عمليات تمويل المشاريع التنموية في اطار تطبيق المعايير الحقيقية للشراكة بين القطاعين العام والخاص ، وهذه تعد فرصة  مهمة لهذا القطاع الحيوي لان يلعب دورا تنمويا فاعلا ويسهم في تحقيق الاستقرار المالي . عموما ، وبصرف النظر عن النتائج التي ننتظرها من مؤتمر الكويت، فهي قطعا ستكون نتائج ايجابية سواء حصلنا على اموال ام لم نحصل، فالمؤتمر يمثل فرصة حقيقية امام العراق للتعريف بواقعه التنموي والاستثماري، كما انه يعد مناسبة مهمة لان يعترف المجتمع الدولي بالتزاماته الاخلاقية ازاء العراق الذي تعرض لضرر فادح بسبب مواجهته للإرهاب، هذا الارهاب الذي كان يهدد العالم بأسره، ولو لا صمود العراق بوجه "داعش" ومن ثم القضاء عليه، فلربما كانت الخريطة العالمية مختلفة عما هي عليه الان.

 


مشاهدات 2514
أضيف 2018/02/08 - 9:18 AM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 6205 الشهر 65535 الكلي 7523097
الوقت الآن
الثلاثاء 2024/3/19 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير